فشل ثورة ملونة على بوتين ينهى طموح نتنياهو

 

رامي الشاعر –
قبل الإجابة على سؤالكم أود أولاً التعبير عن رأيي الشخصي بصدد تفاصيل بعض الخلفيات والتعقيدات التي تجري في أجوائها المكالمة التليفونية بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء نتنياهو.
ذلك، وأعاود التأكيد، هو رأيي الشخصي، المبني على متابعتي المستمرة وتحليلاتي للمشهد السياسي الراهن.
إن نتنياهو، وبتنسيق كامل مع الإدارة الأمريكية الحالية، كانوا يراهنون على قيام ثورة ملونة في روسيا تطيح بنظام بوتين، وتأتي بقيادة روسية جديدة عميلة وتابعة لهم. وكان هذا هو الهدف الأساسي لرفضهم أي تقدم في حل الأزمة الأوكرانية من خلال اتفاقيات مينسك، التي شاركت فيها ألمانيا وفرنسا والأمم المتحدة والقيادة الأوكرانية. بل واتضح أن تلك الاتفاقيات، فيما اعترف به بعد ذلك قادة ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا (ميركل وهولاند وبوروشينكو)، لم تكن سوى خطة للخداع وكسب الوقت ومتابعة الرهان على قيام ثورة ملونة في روسيا، وضم أوكرانيا بالتالي إلى الاتحاد الأوروبي و”الناتو” وخضوع روسيا، اعتماداً على ما سيقع من تغيرات داخلية، إلى صف الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي.
بل وأضيف أن تردد نتنياهو في السنوات الأخيرة على موسكو كان بهدف تضليل القيادة الروسية، وكسب مزيد من الوقت وهو ما يعني ضلوعه الآثم بشكل مباشر في المؤامرة التي كانت تحاك ضد روسيا في الداخل. ولا تندهشوا إذا ما قلت لكم إن نتنياهو كان يطمح أو يحلم باليوم الذي يعرض فيه على بوتين “الإقامة في إسرائيل”. لكن هذه الأوهام جميعاً تحطمت على صخرة العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، والتي أكدت أن القيادة الروسية والأجهزة المعنية كانت على علم بمخطط بايدن وحلفائه، ومن بينهم نتنياهو، ومع بدء العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا اعتلى العلاقات الروسية الإسرائيلية فتور وبرود ملحوظ ومفهوم، ومستمر إلى يومنا الحالي، على الرغم من محاولات التردد شبه اليومية للسفير الإسرائيلي على الخارجية الروسية حسبما يتم الإعلان عن ذلك على الصفحة الرسمية للوزارة. وهو ما يعني أن العلاقات أصبحت تقتصر فقط على دبلوماسية مستوى السفراء.
بشأن الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن ما جرى بين بوتين ونتنياهو له أهميته وضروراته نتيجة للوضع الراهن في غزة. وكما أعلن الكرملين، فإنه لا يجوز أن تستمر العواقب الوخيمة على المدنيين العزل في القطاع نتيجة للعملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل. وقد ركز الرئيس بوتين على الوضع الإنساني الكارثي في غزة، واستعداد روسيا تقديم كل المساعدات الممكنة من أجل تخفيف معاناة المدنيين، ووقف تصعيد الصراع، كما عبر عن اهتمام روسيا بمصير المواطنين الروس وأسرهم وإجلاء من يرغب منهم من قطاع غزة.
تم التطرق خلال المحادثة الهاتفية كذلك إلى موضوع المواطنين الإسرائيليين المحتجزين في غزة، لكني أود لفت الانتباه هنا إلى أن بيان الكرملين لم يتعرض نهائياً لذكر حركة حماس، وهو ما يحمل معنى ودليل دامغ أن روسيا تعتبر أن القضية فلسطينية، لا يجوز اجتزاءها من سياقها، والاقتصار على أحداث 7 أكتوبر على انفراد دون ربطها بقضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية على أرضه، وهو ما يؤكد أيضاً على أن الأحداث التي تمر بها المناطق الفلسطينية سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية ليست سوى ردود أفعال على الاضطهاد والقمع اليومي الذي يعاني منه الفلسطينيون لعقود.
إن تاريخ الثورات وحركات التحرر الوطني يعج بأمثلة كثيرة على وقوع ضحايا مدنيين جراء عمليات فدائية، وفي الحالة الفلسطينية بشكل خاص، لا يمكن التخلص من ذلك إلا من خلال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهو ما أعلنه الرئيس بوتين في اليوم الثاني بعد أحداث 7 أكتوبر، وأود التركيز هنا على أن الاتفاق الذي ذكر في بيان الكرملين بخصوص متابعة ومواصلة الاتصال الثنائي لا يمكن أن يهدف إلا إلى ذلك.
وأكبر دليل على ذلك هو ما ذكره بيان الكرملين من استياء نتنياهو من مواقف مندوبي روسيا لدى الأمم المتحدة المناهضة لإسرائيل، والتي أعربوا عنها في عدد من المحافل الدولية، وهو ما يؤكد الموقف الروسي، وسياسة الدولة المبدئية بشأن حقوق الشعب الفلسطيني وتنفيذ كافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
في تقديري الشخصي أعتقد أنه من الواضح أن نتنياهو قد استوعب خلال المكالمة موقف روسيا، وأظن أنه في موقف صعب للغاية، ويبحث عن مخرج لإنقاذ وضعه، لا سيما بعد أن رفض العالم بأغلبيته الساحقة سياسة الإبادة العرقية التي تتبعها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، واستحالة القضاء على حماس، أو تصوير ما يقوم به الجيش الإسرائيلي بأنه “حرب على الإرهاب”، بل وتكفي النتيجة التي أسفر عنها التصويت في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، بينما صوت 13 لصالح مشروع قرار الإمارات بوقف إطلاق النار، وامتنعت بريطانيا، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها هي من صوت بحق النقض “الفيتو” ضد مشروع القرار. من الواضح أن نتنياهو قد فهم أنه خسر، ولولا هذه الخسارة لما جرت المكالمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أطمئن الجميع أن أي اتصالات تقوم بها القيادة الروسية، أو أي أدوار وسيطة تسعى إليها مع أي من الأطراف لا يمكن أن تكون سوى بهدف تخفيف المعاناة الإنسانية، ووصول المساعدات، وتجنب وقوع ضحايا بين المدنيين، وبالطبع الوصول إلى ما يطمح ويناضل من أجله الشعب الفلسطيني وهو التمتع بدولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

رامي الشاعر- روسيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى