الآنمقالات

د. أحمد علي سليمان يكتب: عِلم الله الكامل الشامل المحيط بكل شيء: بالمجرات والذرات.. بالباطن والظاهر

سبحان الله العليم، الذي وسع علمه كل شيء؛ في أعماق الأرض، وفي ظلمات البحر، وفي طبقات الجو، وفي الفضاءات العليا، وفي خفايا القلوب والعقول، يعلم السر وأخفى، ويُحيط علمه بالماضي والحاضر والمستقبل، لا يعزب عنه مثقال ذرة في ملكه، وهو اللطيف الخبير

عِلم الله الكامل الشامل المحيط بكل شيء: بالمجرات والذرات.. بالباطن والظاهر

بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان

عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

الله (سبحانه وتعالى) متصف بكل صفات الكمال والجلال والجمال والعظمة والكبرياء ومخالفة الحوادث([1])

ومن صفات الكمال الإلهي، صفة العلم، وعلم الله تعالى محيط، فهو (سبحانه العليم) بكل شيء عليم، بالظاهر والباطن، بالغيب والشهادة،…إلخ، لا تخفى عليه فافية، ولا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء.

 يعلم ما يجري في ملكوته الواسع، وما تُخفيه الصدور وما تُبديه العقول، وما يُسِرّه الإنسانُ في نفسه، وما يجيش في صدره، وما يجول في خاطره، قبل أن ينطق به لسانه. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران: 5)، وقال جل جلاله: (وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) (طه: 7)، وقال تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِسَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) (الرعد:8-10)، وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر: 19)، وقال تعالى: (…وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216)، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة: 7).

  • فهو (سبحانه وتعالى) يعلم ما في سطح الأرض من مليارات المخلوقات وأحوالها وظروفها وأفعالها ومصيريها…، وما في باطنها وطبقاتها وأعماقها في كل أرض الله وغيرها، من كنوزٍ ومعادنٍ ومياهٍ وأنهارٍ جارية في أغوارها، وأموات في قبورها…

  • ويعلم ما في قيعان البحار والمحيطات والأنهار والبحيرات من مخلوقاتٍ لا تراها الأبصار، وما في ظلماتها من حركاتٍ دقيقة لا يسمعها أحد.

  • ويعلم ما في طبقات الغلاف الجوي والفضاءات الشاسعة من نجومٍ وكواكبٍ ومجراتٍ وسُدُمٍ، ومواقعها الدقيقة في هذا الكون المترامي الأطراف، ويعلم ذرات الكون متى خُلقت، وأين وُضعت، وما مصيرها، كما قال تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (الأنعام: 59).

  • بل إن علمه (جل وعلا) ينفذ إلى أعماق القلوب وأغوار النفوس، فيعلم ما تضمره النيات، وما تُخفيه المقاصد، وما يدور في العقول والقلوب من خواطر وحديث النفس. قال سبحانه: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر: 19). فالله وحده يعلم السرائر، ويُثيب أو يُعاقب على ما في الباطن كما على ما في الظاهر، لذلك علمنا النبي العظيم أن الله تعالى ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، وأننا محاسبون على الفتيل والنقير والقطمير، لأن علم الله شامل ومحيط ودائم، يقول النبي ﷺ: (إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ) ([2]).

وفي قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر (عليهما السلام)، حين علّمه الله (تعالى) أن وراء الأحداث الظاهرة حِكَمًا باطنةً لا يعلمها إلا اللهُ العليم، يقول تعالى: (…وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) (الكهف: 65).

وكذلك قصة سيدنا يوسف (عليه السلام)، إذ قدَّر اللهُ (سبحانه وتعالى) له الخيرَ من حيث لا يحتسب، وجعل من السجن طريقًا إلى المُلك والحُكم، فكان قوله (تعالى) شاهدًا على علم الله المحيط: (…إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف: 100). أما الإنسان، فمهما بلغ من العلم والذكاء، فإنه لا يدرك إلا ظاهر الأشياء، كما قال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا….) (الروم: 7)، وليس مخولًا أن يطّلع على نيات الناس أو ما تخفيه الصدور؛ لأن علم القلوب لله وحده. وقد قال النبي (ﷺ) لمن ظن بغيره أنه قال لا إله إلا لينجو من القتل: (أفَلا شَقَقْتَ عن قَلْبِهِ حتَّى تَعْلَمَ أقالَها أمْ لا؟) ([3])، في إشارة إلى أن حكم البَشر يكون بالظاهر، وأما السرائر فإنها فقط إلى الله العليم. فسبحان الله العليم، الذي وسع علمه كل شيء؛ في أعماق الأرض، وفي ظلمات البحر، وفي طبقات الجو، وفي الفضاءات العليا، وفي خفايا القلوب والعقول، يعلم السر وأخفى، ويُحيط علمه بالماضي والحاضر والمستقبل، لا يعزب عنه مثقال ذرة في ملكه، وهو اللطيف الخبير.

([1]) الحادث: هو ما دون الله سبحانه وتعالى، وهو مَن خلقه الله جل في علاه.

([2]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه..

([3]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه..

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى