الحلقة الخامسة سلسلة قصص *محطات من عالمي الجميل*

تأليف السيد هاشم بن علي الكاف :

مضت الايام والسنين مسرعة، وها نحن اليوم وقد مضت 50 سنة، مرت كلمح البصر، لقد شاب ابو علياء وابو احمد كذلك فلقد اصبحوا اصدقاءا، وعاد كلٌ منهم الى دياره، ولكن ابو علياء لم تنطوي صفحة علياء من حياته، والتي ظلت تشغل تفكيره، فمن شدة حزنه وبكاءه صابته الامراض واصبح ضعيف البدن، قليل الحركة مشغول البال، وشارد الذهن.

واصبح ابو احمد عمدة لقريته، ودوما ما يمتلئ مجلسه بالرجال ونادراً ما يحضر ابو علياء لمجلس العمدة.
ان قرية ابو احمد الصغيرة تطورت واصبحت مدينة يتوافد اليها الناس لغرض التبضع والتمتع ببرها الجميل، فنزح اليها معظم اهل الساحل يبتغون الحضارة والتعليم فيها، كونها تضم عدة مدارس بمختلف المراحل.

ذلك اليوم يقرر ابو علياء ان يذهب لمجلس العمدة ليتبادل الاحاديث مع العمدة، ومع مجلسه العامر بالناس، وليقضي عدة ساعات مع صديقة العزيز تبو احمد، وبينما هم في يتحادثون ومجلس العمدة يكتض بالناس اذا بامرأة تبلغ من العمر قرابة الخمسين بدت عليهاملامح السفر والتعب، ترتدي ملابس قديمة من زمن عتيق، تأتي للمجلس طالبة الاذن لمقابلة العمدة، فيُأذن لها بالدخول، فتطلب الاذن بالحديث فيُأذن لها،
فتقول: سيدي العمدة يامن أوكل ولاة الامر لقضاء حاجات الناس ومساعدتهم، عندي لك مسألة، سيدي العمدة اتيت اليك من بلاد بعيده، اتيت اليكم وحيدة، ويحمل قلبي عبئ اعوام عديدة، وتكالبت علي الاعوام المديدة، فتهاهت الاماني، وتعالت الصرخات، ان الناس تعتز بأباءها، وبحسبها ونسبها، حتى هذا الفخر ضاع مني.
فراحت تجهش بالبكاء، وتصرخ وتقول:
انا من علم الاجيال الالفَ والباء
و كيف تكتب بالحروف اسماء
انا من تعلم من الانساب
وضاع مني نسبي وراح هباء
انا من ربتني امرأة ناديتها امي، حملت همي، وتعبت لأجلي، لم تتخلى عني، علمتني، واصبحت الآن معلمة، وامي لم تعج عالحركات قادرة، احببتها كما احببت ان اعرف عن ماضيٍ عتيم، فهل تستطيع ان تهدئَ القلب الحزين، فلا تنبش الجرح الدفين، وارحم حاليَ المسكين.

عم الهدوء على المجلس وبدأ العمدة بكلمات هادئة يستقي منها الخبر
وقال: لا عليك بنيتي فان الله هيأ الاسباب، وقدر الانساب، فخيرا قلتي، ومني حاجتك سألتي، فهلا لله الأمر تركتي.
العمدة: هلا اخبرتني اين تعملين؟
فقالت: اني معلمة في المدرسة التي خلف مجلسكم، ادرس اللغة العربية
العمدة: ومنذ متى تعملين هناك؟
فقالت: منذ بداية هذا العام
العمدة: واين تسكنين؟
فقالت: كنت اسكن في القرية المجاورة واليوم اسكن في دور المعلمات وامي لا زالت في ديارنا.
العمدة: واين هي دياركم؟
فقالت: انها قرية ساحلية و وصفتها وذكرت انها علمت من امها ان اباها بالتبني مات على جزيرة على بعد ساعة ونص بحرا كان قد ذهب في رحلة صيد ولم يعد منها لليوم ولا يعلمو عنه شيئاً
فسألها العمدة: يا ابنتي وما اسم اباكِ؟
فأجابت: منصور
وسألها: وما اسمك؟
فقالت: عندما وجدوني مع امي التي توفت على الجزيرة التي تحتوي على كوخ ابي منصور لم يعرفوا اسمي فقرروا تسميتي علياء.

في حلقتنا السادسة والاخيرة نكمل نهاية قصتنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى