الانتخابات التركية ومقترحات لخارطة طريق إعادة العلاقات السورية التركية
تبدأ صباح اليوم الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية، والتي تمثل حالة صحية نموذجية لجو الديمقراطية والحرية التي يتمتع بها المواطنون الأتراك في التعبير أن آرائهم وتوجهاتهم السياسية، ورغبتهم فيمن من حقه أن يصبح رئيسهم والنهج السياسي الذي يتعين أن يتبعه برلمانهم.
وأود الإشارة هنا إلى أن أهم ما تتميز به تركيا فيما يخص قضايانا المتشابكة في الشرق الأوسط هو موقفها المبدئي الداعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الوطني كاملة دون انتقاص. كما تتميز القيادة الحالية برئاسة رجب طيب أردوغان بموقف إيجابي منذ الموافقة على الانضمام إلى مجموعة أستانا والمساهمة بدور فعال في التوصل إلى نظام التهدئة ووقف الاقتتال على كافة الأراضي السورية، وكذلك مساهمة تركيا بجهود بناءة في مجال الحوار بين السوريين للتوصل إلى اتفاق يبدأ عملية التسوية السياسية للأزمة السورية.
إضافة إلى ذلك، وربما في صدارة ذلك، تجدر الإشارة إلى أهمية المبادرة التي طرحها الرئيس أردوغان لتسوية العلاقات التركية السورية والتي تكللت مؤخرا بلقاء وزيري خارجية سوريا وتركيا في موسكو، وأتمنى أن تستمر سياسة تركيا على نفس النهج بعد انتخابات اليوم في تركيا، والمساهمة في دفع مسار تسوية العلاقات السورية التركية قدما، لهذا أجد من المناسب عرض بعض المقترحات بخصوص خارجة طريق لنواب وزراء الخارجية بالتعاون مع وزارات الدفاع والأجهزة الأمنية للمضي قدما في إعادة وتطوير العلاقات السورية التركية.
لقد أكد بيان وزارة الخارجية الروسية يوم الأربعاء الماضي، عقب انتهاء الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا على أن وزراء الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسوري فيصل المقداد والإيراني حسين أمير عبد اللهيان والتركي مولود تشاووش أوغلو اتفقوا على التزام بلادهم بسيادة سوريا ومحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وبتكليف نوابهم بإعداد خارطة طريق لتطوير العلاقات بين دمشق وأنقرة بالتنسيق مع وزراء الدفاع والاستخبارات للدول الأربع، مؤكدين جميعا على “الأجواء الإيجابية والبناءة التي سادت تبادل وجهات النظر”، كما اتفق الوزراء على مواصلة الاتصالات رفيعة المستوى والمفاوضات الفنية الرباعية في الفترة المقبلة.
لا شك أن هناك عدد من القضايا الخلافية على رأسها بطبيعة الحال مشكلة شمال شرقي وشمال غربي سوريا، وهي التي تعتمد على إعادة دمج تلك المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها تركيا تهديدا “إرهابيا” لحدودها، فيما تدعمها الولايات المتحدة، والمعارضة المسلحة التي تعدها دمشق تهديدا “إرهابيا” لها، فيما تعتبرها تركيا جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة.
بمعنى أن المشكلة الأساسية ستبقى في نهاية المطاف في تحديد نطاق وطبيعة ومظاهر “الإرهاب” الذي سوف تعمل الأطراف على مكافحته، وكيفية العمل على تلك المكافحة مع ضمان مصلحة الأطياف المختلفة على جانبي الحدود، وضمان أمن تلك الحدود، مع الحفاظ على سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها.
معضلة عويصة لا جدال، لا سيما بالنظر إلى أجندة الأطراف الخارجية التي تزكي بعض النزعات الانفصالية، وتغري بعض ضعاف النفوس بإمكانية “الانفصال” أو “تأسيس دولة جديدة” وغيرها من الحيل والألاعيب التي أثبت التاريخ فشلها وضررها وعدم استدامتها وضياع أصحابها.
تظل القضية الخلافية المعروفة، التي يتمسك بها الطرفان السوري والتركي هي أن تسوية العلاقات من وجهة النظر السورية يجب وأن يسبقها خروج القوات التركية من الأراضي السورية بشكل كامل، فيما يتمسك الجانب التركي بحقه في الدفاع عن حدوده مما يعتبرها هجمات “إرهابية” على أراضيه تنطلق من بعض التشكيلات الكردية على الأراضي السورية.
أود فقط أن أطمئن بالدرجة الأولى الشعب السوري أن نتيجة اللقاء الرباعي كانت إيجابية ومطمئنة إلى حد كبير، على الرغم من البيان المقتضب، بلا تفاصيل. ما يجب التفكير فيه بإمعان ودقة هو تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خارطة الطريق لتطوير العلاقات التركية السورية، بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربعة، وهو ما يعني أن الجانبين السوري والتركي قد قررا السير قدماً في استعادة العلاقات فيما بينهما، وأن هناك إرادة سياسية في دمشق وأنقرة بهذا الخصوص، سوف تسعى في الأسابيع القادمة لإزالة كل المعيقات على طريق تحقيق هذا الهدف.
بعض الأفكار المقترحة لخارطة طريق تسوية العلاقات بين سوريا وتركيا
أولاً: من حق الجانب السوري أن يتمسك بمغادرة القوات المسلحة التركية أراضيه باعتبار تواجدها غير شرعي ينتقص من السيادة السورية، إلا أن بعض الإجراءات الدبلوماسية والقانونية والعسكرية المشتركة يمكن أن تتخذ لإضفاء الطابع الرسمي للتواجد العسكري التركي المؤقت في الشمال السوري (ويمكن في هذا الصدد الاستفادة أو الاستناد إلى اتفاقية أضنة السارية والموقعة بين سوريا وتركيا في 1998)، وبمساعدة أطراف أستانا من أجل ضمان أمن تركيا، وفي نفس الوقت عدم المساس بالسيادة السورية ووحدة الأراضي. ويمكن أن تتم عملية تسليم دمشق للمعابر الحدودية وانتشار نقاط حرس الحدود السوري على طول الحدود السورية التركية، ويتم تشكيل دوريات مشتركة من روسيا وسوريا وتركيا للإشراف على ذلك.
ثانياً: بعد الاتفاق على المفاهيم التي ذكرتها آنفاً، وتحديد وتسمية العناصر والتنظيمات الإرهابية التي يتفق عليها جميع الأطراف، يبدأ التنسيق الأمني العسكري بين الدول الأربعة بشأن إنهاء أنشطة التنظيمات الإرهابية التي تسيطر على بعض المناطق من الأراضي السورية.
ثالثاً: بدء الحوار بين فصائل المعارضة المسلحة وممثلي الجيش العربي السوري بوساطة وإشراف مجموعة أستانا بغرض الاتفاق على وضع يضمن عدم حدوث أي احتكاكات مسلحة بين الأطراف.
رابعاً: عودة الحوار بين المعارضة ودمشق بمشاركة الأمم المتحدة ويفضل أن يكون الحوار في دمشق أو أي مكان آخر يتم الاتفاق عليه، بغرض البدء بالمسار السياسي وفق ما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومخرجات مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري لعام 2018، والبدء بمعالجة وضع اللاجئين والمهجرين والنازحين والمفقودين والمعتقلين وغيرها من القضايا الملحة التي لا زالت بانتظار الحل.
أظن أن خارطة طريق كهذه يمكن أن تكون مسودة يمكن العمل عليها خلال الشهر المقبل لتكون الأساس لعقد اللقاء المرتقب بين الرئيسين السوري والتركي، والاستناد إليها للسير على درب تطوير العلاقات السورية التركية تدريجياً.