الإيقاع ودلالاته في الشّعر الجزائري المعاصر
ندوة من تنشيط مخبر اللهجات و معالجة الكلام بجامعة وهران 1
محمد غاني . الان
قامت مديرة مكتب اللهجات و معالجة الكلام بجامعة أحمد بن بلة 1 وهران البروفيسور سعاد بسناسي بالتنسيق مع أكاديمية الوهراني للدراسات العلمية و التفاعل الثقافي بالاشراف على الندوة العلمية الثانية لسنة2023 و التي قام بتسييرها عضو مخبر اللهجات و معالجة الكلام و الأكاديمية طالب الدكتوراه سلمان حمدوش و تقديم عضو أكاديمية الوهراني الدكتورة زهرة بن يمينة حيث عالجت الندوة التّجربة الصّوفيّة التي هي تجربة ارتقاء عن عالم الحسّ إلى عالم المشاهدة، ورغم ما يعتريها من مكابدة، إلّا أنّ الشّاعر يتفنّن في إيراد ألضرب من البنى التّعبيريّة في متنه الشّعريّ، محقّقا بذلك تكثيفا دلاليّا، وتشكيلا جماليّا يحقّق لهذا الشّعر مفارقة وتأويلا، ونحن إذ نبتغي البحث في التّجربة الصّوفيّة الجزائريّة المعاصرة، فإنّنا نروم اكتشاف ما انْتُظِمَ تحت العبارة المعلنة من مكابدات وجدانيّة توجّه الأنساق المشكِّلة للشّعر ومنها الإيقاع الدّاخليّ والخارجيّ، وعليه نروم طرح إشكال مهمّ تتمثّل أسئلته فيما يلي:
كيف تجلّى الإيقاع في متن الشّعر الصّوفي الجزائريّ المعاصر؟ وما دلالات هذا التّجلّي؟ وإلى أيّ مدى حقّق هذا الإيقاع جمالية في متن القصيدة الصّوفية المعاصرة؟
إنّ دراسة الإيقاع في الشّعر الصّوفي المعاصر سيتمّ من خلال عرض ثلاث تجارب معاصرة لقصائد من نظام الشّطرين، وهي: (قصيدة نور القدس لحضرة الأنس لأبي حفص الزمّوري(ت1990م)، وقصائد من ديوان إرهاصات لعثمان لوصيف(ت2018م)، ومن ديوان أنا لا أحد لراوية يحياوي، وهذا من خلال وظيفة الإيقاع في البنية الشّعرية والّتي تتجاوز الألفاظ والعلاقات التّركيبيّة بينها، فالإيقاع الخارجي يقوم على أساس من الثّبات فيما يتكرّر من الحركات والسّكنات وما تنتجه من تفعيلات، بينما يقوم الإيقاع الدّاخلي على أساس الطّاقات الصّوتيّة وكيف تتوزّع على أديم النّصّ الشّعريّ، وما شكّله الإيقاع الخارجيّ من نغمات تجسّد في بحور الشّعر الّتي وافقت نغماتها نغم المعنى المُستحضر في ثنايا الأبيات، فكان بحر الرّجز متوافقا مع نغمات تسريع الخطاب ولهفة اللّقاء في قصيدة ماذا على العشّاق لعثمان لوصيف، ووافقه بحر الخفيف حين أثقلته معاني اللّفهة واللّقاء، وأسرعت به لتخيّل موعد لقائه الرّوحي، وكذا سارت باقي البحور متناغمة مع الإيقاع الدّاخليّ، هذا الّذي شكّلته باقي النّغمات الّتي حقّقتها القافية الّتي وردت أحيانا مطلقة حاملة لبعد الرّؤيا، وأحيانا مقيّدة متوّقفة عند حدّ اللّفظ الشّعري، كما تمّ توظيف حرف الرّويّ استجابة إلى منظومة المفاهيم الّتي أقرّتها طائفة الصّوفيّة وما اندرج فيها من معاني الحروف وتمثّلاتها، فالصّوفيّ شاعرا كان أم ناثرا إنّما يوظّف هذه الحروف إنّما حاجته في ذلك هو الاتّصال بالعالم النّورانيّ الّذي فاضت معانيه منه.
حوصلة لمضامين مداخلة الإيقاع ودلالاته في الشّعر الجزائري المعاصر، يمكن الوقوف على أبعاد الإيقاع في التّجربة الصّوفيّة والتّي تستجيب لدعوة الحداثة الشّعريّة، ولأبعاد التّأويل وما يُبيحه من آليات قراءة لهكذا نوع من التّجارب الّتي تعوّل على الوجدان وما يكتنفه من معارج في عالم المعاني. إنّ الإيقاع في التّجربة الشّعريّة ذات الأبعاد الصّوفية يتجاوز حدود النّغم، ويتعدّاه إلى استحضار عوالم روحيّة في قوالب إيقاعيّة، ونتيجة هذا الامتزاج هو مفارقة هذه التّجربة لباقي التّجارب إيقاعا ومعنى.