شعر و قصص

زغاريد على جرح القلب الجامعة

تاليف. فايل المطاعني

مرت الأيام، كبرنا وكبرت معنا أحلامنا وأمانينا.
لم تعد تلك النظرة الخاطفة، ولا تلك الكلمة المختلسة بين الممرات، تكفي كما كانت في زمن المراهقة.
ولا حتى تلك الورقة الصغيرة التي كنت أرسم عليها قلبًا يجمع حرفي وحرفها، وأخبئها في حقيبة كتبها الثقيلة… كنتُ أودّ لو أحمل الحقيبة عنها بنفسي، فقط لأخفف عنها التعب، ولأرى ضحكتها من دون ظلّ الإرهاق.

كانت ضحكتها حياةً لي، وسحرُ عينيها دواء قلبي.
ومضت بنا السنون على هذا الحال.
كلما خرجت إلى “دكان نوفل” — الذي كنا نُسميه سرًا “دكان حبّنا” — كنت أجهّز ورقةً جديدة أرسم فيها قلبًا أزرق، أكتب في وسطه “أحبك”، وأصبغ الورقة كلّها باللون الأزرق.
لا أدري لماذا الأزرق تحديدًا… ربما لأنه كان لون البحر الذي أسرّ له حزني، أو لأنه لون السماء التي شهدت حبّنا منذ الطفولة.

لم نكن نصرّح بشيء، فقط النظرات كانت تتحدث نيابةً عنّا.
كانت حالنا مثل أغنية نوال التي كنا نرددها خلسة:

> “أربع سنين أتناظر بالعيون،
لا هو يعرف من أكون،
ولا أنا أعرف من يكون…
بس بالعيون.”

 

لكننا كبرنا، ولم تعد تذهب إلى دكان نوفل وحدها، بل صارت ترافقها صديقاتها، وكان “عبود الدب” — أخوها — يحرسهن.
ولا أدري كيف خطر في باله أن ثمة علاقة تربطني بأخته!
ذلك “الدبّ الأحمق”، كيف سيصبح خالًا لأولادي يومًا ما؟
ربما عندما يكبر سيصير دبًا عاقلًا!

دخلتُ أنا الجامعة أولًا، وبعد سنتين لحقت بي “أمل”.
كانت الجامعة الجنة التي حلمنا بها طويلًا، المكان الذي تحقّق فيه لقاؤنا العلني بعد أعوام من الخفاء.
لم تكن تلجأ إلى أحد غيري؛ كنت أساعدها في كل شيء.
حتى ذاع صيت حبنا بين أرجاء الجامعة، وصار الأصدقاء يتهامسون:

> “عادل وأمل… قصة الحب التي تُضرب بها الأمثال.”

 

كانت الجامعة ميدانًا خصبًا نما فيه حبنا وازدهر.
وبعد عامين تخرجتُ أنا، وكان حفل تخرجي من تنظيمها.
اهتمت بكل صغيرة وكبيرة بنفسها، حتى اتفقت مع مصورٍ من دفعتي ليلتقط لي صورًا خاصة، كأنها تحتفل بي وحدي.

كانت أول باقة ورد تصلني في تلك الليلة منها، وقد كتبت في بطاقتها:

> “من زوجتك المحبّة.”

 

يا الله… كم كانت تلك الليلة جميلة.
غدوت فيها كالعريس في ليلة زفافه، وكانت “أمل” — دون أن أعلنها رسميًا — زوجتي أمام قلبي والعالم.
الوالدة …..

بدأت رحلة البحث عن وظيفة، كنت في سباقٍ مع الزمن لأثبت نفسي.
كنتُ أعمل صباحًا وأحلم مساءً بلحظة أطرق فيها باب بيت “أمل” لأطلبها رسميًا.
كلما رأيت سيارة غريبة تقف أمام منزلهم، كان قلبي ينتفض خوفًا وغيرة، كأنني أخشى أن يخطفها أحد مني.

وجاء اليوم المنتظر، نلتُ وظيفة، وبدأ المستقبل يفتح ذراعيه لي، كأنه يقول:

> “هيا أيها البطل، الكرة الآن في ملعبك.”

 

أخبرتُ والدتي أنني أريد بنت الجيران زوجةً لي.
كعادتنا، الأم هي أول من يعلم، فهي التي تفتح الطريق إلى أم العروس، لتبدأ بعدها مراسم الزواج.
لكن… جاءت الصدمة.

أمي رفضت!

نعم، رفضت.
ولما سألتها عن السبب، قالت:

> “أم البنت ليست من نساء الديرة. وافدة. حتى لغتها ليست عربية صافية… تتكلم مزيجًا من كلامٍ شمالي وجنوبي!”

 

يا الله…
أمي، لا تدمّري حلمي، لا تكسري جناح قلبي، لا تضيّعي “أمل” من بين يدي.
رجوتها، بكيت أمامها، قبّلت يديها وقلت:

> “أمي، أرجوكِ، لا تكوني حجر عثرة في طريقي.
أنا راضٍ وسعيد، وأحبها بصدق.
أنا لن أتزوج أمها، أريدها هي فقط.
هي حياتي… هي عمري… هي دنياي.
أمل زوجتي، وعهدي بها منذ كنا صغارًا نلعب الكرة، وسقتني الماء بيديها الصغيرة، أن تكون لي وحدي.”

 

لكن أمي ظلت صامتة…
وصوت الصمت كان أقسى من كل الرفض.

يتبع…

اظهر المزيد

كمال فليج

إعلامي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى