مقالات

الوطن والوطنية… إنتماء يتجاوز الجغرافيا

بقلم : أ. كمال فليج _ الجزائر 

الوطن ليس مجرد مساحة على الخريطة تُحدّدها خطوط الطول والعرض، بل هو نبض يسكن القلب قبل أن يسكن الأرض. هو ذلك الشعور الذي يجعلنا نشتاق إلى رائحة ترابه، ونفخر بلغته ولهجته، ونغضب لأجله حين يُمسّ، ونبذل الغالي والنفيس دفاعًا عنه. فالوطن فكرة سامية تتجاوز الحدود، وتُختصر في كلمة واحدة: الانتماء.

منذ فجر التاريخ، ارتبط الإنسان بمكان يعيش فيه، يأوي إليه، ويجد فيه الأمان والاستقرار. ومع مرور الزمن، لم يعد الوطن مجرد مأوى، بل أصبح رمزًا للهوية، ومرآة للذاكرة الجمعية التي تحفظ تاريخ الأجداد وتؤسس لمستقبل الأبناء.

أما الوطنية، فهي التعبير الصادق عن هذا الانتماء. إنها ليست شعارات تُرفع في المناسبات، ولا كلمات تُقال أمام الكاميرات، بل هي سلوك يومي يُترجم حب الوطن في العمل، والإخلاص، واحترام القوانين، والحفاظ على ممتلكاته العامة، والسعي إلى رفعته بين الأمم. فالوطنية فعل بناء لا هدم، وإيثار لا أنانية، وعطاء لا انتظار للمقابل.

الوطنية أيضًا هي أن نؤمن بأن اختلافاتنا الفكرية أو الجهوية لا تُلغي وحدتنا الكبرى، بل تُثريها. هي أن نفهم أن الوطن لا يقوم إلا بتكاتف أبنائه، مهما تباينت آراؤهم أو خلفياتهم. فكما تُشكّل الألوان المختلفة لوحة جميلة، يُشكّل التنوع البشري لوحة الوطن الموحّد.

ولا يمكن الحديث عن الوطن دون استحضار تضحيات الذين كتبوا بدمائهم فصول الحرية والسيادة. هؤلاء الذين غرسوا فينا معنى الوفاء، وعلّمونا أن الوطن لا يُقدّر بثمن، وأن الحفاظ عليه مسؤولية تتوارثها الأجيال كما يتوارثون المجد.

إنّ الوطنية الحقة تُقاس بالفعل لا بالقول، بالضمير لا بالتصفيق، وبالوفاء في المواقف الصعبة لا في الأعياد والمناسبات فقط. فالوطن لا ينتظر منّا كلمات رنانة، بل ينتظر سواعد تبني، وعقول تُبدع، وقلوب تنبض بالإخلاص.

وفي النهاية، يظل الوطن بيتنا الكبير، والوطنية هي تلك الروح التي تجعلنا نحبه بلا شروط، ونعمل لأجله بلا ملل، ونحميه كما نحمي أنفسنا. فالوطن لا يعيش فينا إلا بقدر ما نعيش نحن لأجله.

اظهر المزيد

كمال فليج

إعلامي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى