الكرامة الإنسانية… حق مقدس

✍️ بدرية بنت سلطان المعجل :
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التواصل الإلكتروني، وتختلط فيه الأصوات عبر المنصات الرقمية، باتت الكرامة الإنسانية تواجه تحديات غير مسبوقة. وبينما نعيش في عالم افتراضي مفتوح، تبقى الكرامة قيمة ثابتة لا تقبل المساس، وحقًا أصيلاً لكل إنسان كرّمه الله منذ لحظة الخلق.
قال الله تعالى: “ولقد كرّمنا بني آدم…”، وهذه الآية الكريمة وضعت أساسًا ربانيًا راسخًا لصون كرامة الإنسان، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو مكانته الاجتماعية. فالكرامة ليست مجرد شعور، بل هي حق واجب الحماية، وركيزة لحياة يسودها السلام والاحترام المتبادل.
ولأن الأخلاق هي درع الكرامة، فقد أثنى الله سبحانه على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – قائلاً: “وإنك لعلى خلق عظيم”، وأكد على أهمية صون كرامة الإنسان بقوله صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه”.
غير أن ما نشهده اليوم من انتهاكات صارخة لهذا الحق، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يدعو للقلق والتأمل. فالتنمّر، والسب، والشتم، والتجسس، والتشهير بأعراض الناس وسلوكياتهم وأشكالهم، أصبح سلوكًا شائعًا، تغذّيه سهولة الوصول للآخرين، والفراغ الفكري الذي يعيشه البعض.
إن هذا السلوك لا يُبرر بحرية الرأي أو التعبير، بل هو انحراف أخلاقي، يعبّر عن فراغٍ داخلي، كان يمكن ملؤه بالعلم النافع، أو العمل المثمر، أو ممارسة الرياضة، أو التطوع في المجالات الخيرية، أو حتى بتطوير الذات وتنمية المواهب.
لقد جاء القرآن الكريم ليهذّب الإنسان، ويرسم له خريطة أخلاقية متكاملة، تبدأ من نبرة صوته: “واغضض من صوتك”، إلى مشيته: “ولا تمشِ في الأرض مرحًا”، مرورًا بنظراته: “ولا تمدنّ عينيك”، وسمعه: “ولا تجسّسوا”، وطعامه: “ولا تسرفوا”، وكلامه: “وقولوا للناس حسنًا”.
وهذا يبيّن أن القرآن لم يكن فقط كتاب عبادة، بل منهج حياة متكامل، يُرسي قواعد السلوك الراقي، ويضبط العلاقات بين الناس، فيُبقي الإنسان قريبًا من الناس، نقيّ القلب، سليم السريرة، محبوبًا في حياته، ومذكورًا بخير بعد وفاته.
الكرامة ليست شعارًا نرفعه، بل سلوكًا نعيشه، وواجبًا نؤديه، واحترامًا نمنحه للآخرين. فلنحذر من التعدي على الآخرين، ولنسعَ لأن نكون سببًا في زرع الخير، لا الأذى. فكل ما نقوله أو نكتبه، محفوظ ومسجّل:
“ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد.”
ختامًا، لنكن ممن يمرّون في هذه الحياة مرور الكرام، لا يأتون إلا بخير، ولا يزرعون فيها إلا الخير. فهنيئًا لمن ترك وراءه ذِكرًا طيبًا، في حياةٍ قصيرة، لكنها تُخلِّد أثرًا طويلًا