حزب الأمة : تغير مواقف أم تكتيكات الكتاب القديم
" وجه الحقيقه "

✍️ إبراهيم شقلاوي :
في حوار أجرته قناة الجزيرة مباشر مع الدكتورة مريم الصادق المهدي، نائب رئيس حزب الأمة القومي، برزت العديد من المؤشرات حول موقف الحزب من المستجدات السياسية في السودان. اتسمت تصريحات مريم بالجرأة وأظهرت مراجعات داخلية تعكس اضطراب المشهد السياسي داخل الحزب، وسط حالة من التنازع بين التمسك بالمبادئ والانصياع للضغوط الإقليمية. قيمة هذا الحوار في كونه حمل مؤشرات جديدة إيجابية بالنظر إلى أن مريم ينظر لها من الضالعين في انقلاب مليشيا الدعم السريع الذي أدخل البلاد في الحرب والشاهد في ذلك حديثها قبل الحرب عن أنهم سيطورون خياراتهم وأنهم سيعملون علي انتاج حلول بديلة إذا ما استمرت عرقلة تنفيذ الإتفاق الإطاري. على أية حال دعونا في هذا المقال نناقش حديث مريم في بعده السياسي وترك الأمور القانونية جانبا.
أكدت مريم المهدي أن ما جرى في نيروبي كان تعبيرًا عن رؤية الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، مشيرةً إلى أن هناك رؤى وطنية أخرى قد تلتقي مع هذه المبادرة أو تختلف عنها. كما أفادت بأن مؤسسة الرئاسة في الحزب ستجتمع للفصل في موقف رئيس الحزب المكلف، فضل الله برمة ناصر، متهمةً إياه بإنشاء كيان موازٍ لمؤسسات الحزب الشرعية.
من جهته أصدر الحزب بيانًا رسميًا عبر ناطقه الرسمي الواثق البرير أعلن فيه براءته من ميثاق نيروبي، معتبرًا أنه وقع دون تفويض. وشدد البيان على أن القضايا المصيرية مثل العلمانية وتقرير المصير تحتاج إلى نقاش وطني واسع وإجماع يستند إلى الإرادة الشعبية، مؤكدًا أن الموقف الرسمي للحزب يُحدد عبر مؤسساته الداخلية.
في تطور لافت قالت مريم الصادق إن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان اختير من قبل قوى الثورة، مما يمنحه شرعية، لكنها شددت على ضرورة تجاوزه لردود الفعل السياسية والعمل على بناء الثقة بين المدنيين والعسكريين، وصولًا إلى انتخابات تمهد لإستعادة الحكم المدني. كما دعت إلى الحوار مع الإسلاميين، معتبرةً أن استبعاد أي طرف لن يؤدي إلى حل مستدام للأزمة السياسية.
تصريحات مريم تعكس تغيرًا في الموقف السياسي للحزب، فبينما كان الحزب سابقًا من أشد المنتقدين للجيش من خلال تبنيه لسردية تنسيقية القوى المدنية” تقدم” بأنه لا شرعية للرئيس البرهان وأن حكومته حكومة أمر واقع، يبدو أن هناك مراجعة تكتيكية تقتضي التفاعل مع المشهد الجديد، خاصة مع تزايد الضغوط الشعبية عليه . كذلك ربما محاولة للاستفادة من حديث سابق قال به الرئيس البرهان بأن شرط العودة لداخل البلاد وللدخول ضمن العملية السياسية هو التخلي عن دعم المليشيا.
يبدو أن صراع حزب الأمة قد يتصدر المشهد من جديد معبرا عن عدة تيارات، بعد وفاة الإمام الصادق المهدي. برز تيار مريم المهدي الذي يضم شقيقها صديق وزوجها، يواجه تيارًا آخر بقيادة فضل الله برمة ، بينما يبرز تيار ثالث يقوده الفريق عبد الرحمن الصادق هذا التيار فرصه تزداد يوما بعد يوم في تصدر قيادة الحزب. لذلك هذه التباينات قد تؤدي إما إلى توافق داخلي يستعيد بموجبه الحزب دوره التاريخي الداعم لوحدة البلاد، أو إلى انشقاق جديد يُضاف إلى سلسلة الانقسامات التي عانى منها الحزب خلال فترات سابقة.
يتزامن هذا التوتر داخل حزب الأمة مع تحولات في الساحة السياسية السودانية، أبرزها الإعلان الرسمي عن تعديل الوثيقة الدستورية لعام 2025، والاقتراب من اختيار رئيس وزراء جديد. كما يأتي هذا في ظل تصاعد الخطاب الإسلامي الذي أفلح في تصدر المشهد من خلال دعمه للجيش ووحدة البلاد في مواجهة التحديات، حيث وصف الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية علي كرتي، ميثاق نيروبي بأنه محاولة من “شراذم الباطل وعملاء الخارج” لإنقاذ مليشيا الدعم السريع. وأن ميثاقهم يعبر عن “تجمع شراذم الباطل وعملاء الخارج على جيفة المليشيا المتهالكة، وأنه تقسيم أشلاء الضحايا”.
في ظل هذه التطورات يبدو أن حزب الأمة يسعى لإعادة تموضعه داخل المشهد السياسي السوداني، ولكن السؤال المطروح هل هي مراجعة حقيقية للمواقف أم مجرد تكتيك مرحلي من الكتاب القديم يهدف إلى العودة إلى العملية السياسية من موقع جديد؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل، في ظل استمرار إعادة تشكيل التوازنات السياسية في السودان.
رغم أن الحزب لم يتبنَّ موقفًا صريحًا بصورة مؤسسية ضد مليشيا الدعم السريع، فإن تبرؤه من ميثاق نيروبي، الذي وقّعت عليه قوى سياسية متحالفة مع المليشيا يشير إلى محاولته التمايز عن هذه القوى، ما قد يساعده في تحسين صورته أمام الشارع السوداني الرافض للمليشيات. كذلك حديث مريم عن التحالف الجديد “صمود” بأنه مازال فكرة لم يكتمل اطارها السياسي ومكوناتها الحزبية يشي بأن الحزب بدأ الذهاب في اتجاه استعادة السيطرة.
هذا بالنظر إلى حديثها عن وثيقة التراضي الوطني التي يطرحها حزب الأمة القومي تمثل محاولة لإيجاد مخرجا سياسيا يوازن بين القوى السياسية، بعيدًا عن الاستقطاب الحاد الذي طبع المشهد السياسي السوداني . تصريحات مريم المهدي حول هذه الوثيقة، في سياق حوارها مع الجزيرة، تعكس رؤية الحزب لإعادة التفاوض حول مستقبل البلاد عبر حلول سياسية شاملة. ربما تهدف إلى إيجاد توافق وطني واسع بين مختلف الفاعلين السياسيين. و تتضمن مقترحات حول بناء الثقة بين الأطراف السودانية، بما في ذلك حوار مع الإسلاميين وعدم الإقصاء لأي مكون سياسي. كما ترفض التدخلات الخارجية وتحاول أن تؤسس لحل سياسي سوداني سوداني .
عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن حزب الأمة أمام فرصة سانحة لإعادة التموضع داخليًا، خاصة إذا استطاع تقديم نفسه كطرف وطني مستقل عن التجاذبات الإقليمية والدولية. لكن هذا يعتمد على مدى قدرته على توحيد مواقفه الداخلية، وبناء تحالفات استراتيجية جديدة، والتفاعل مع الشارع السوداني بطريقة تعكس تطلعاته ودعمه للاستقرار والأمن والسلام.
دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 25 فبراير 2025 م. [email protected]