حوار مع الشاعر الجزائري حكيم يعلى

حوارات ثقافية

🎙️حاوره: سمير تلايلف


• الشاعر الجزائري حكيم يعلى أهلا بك، بداية حدثنا عنك وعن ولوجك لعالم الشعر والشعراء؟


حكيم يعلى: بداية أهلا بالصحفي والإعلامي المميز محب للفن والثقافة سمير تلايلف.
حكيم يعلى شاعر مخضرم العمر ومتراكم الأحداث والمعرفة البيداغوجية والعصامية، بدأت الشعر صغيرًا ودائرة إدراكي بالأشياء والأحداث ليس لها قطر طويل، كانت رنة القافية التي أسمعها في كلمات أغنية أو حكمة أو شعر كافية لجذبي جذبًا حاضنًا، لا أقاوم الموسيقى العاطفية حتى إلى إشعار آخر، فلا أظن أن هناك في الدنيا شاعرًا لا تهزه نداءات الأوتار وأنين الكمان وصوت رقصة الطبول، بدأت بدايات لم أخترها لنفسي بل كانت وكأنها غريزة تدفع بي إلى عدم احتمال ترك فيض الإحساس يذهب سدًا، فكنت أحاول لملمة ما يفيض من أحاسيس فرح أو غضب أو حب أو كره وترجمتها في رسوم أرسمها أو أبيات أنسجها.


• كتبت في الشعر الفصيح واتجهت للشعر الشعبي والملحون، فما سر هذا المنعرج في كتاباتك الشعرية؟


حكيم يعلى: في بداياتي كتبت شعرًا شعبيًا غنائيًا، ثم شعرًا شعبيًا غير موزون، ثم موزون، وبسبب بعض إمكانياتي في اللغة وكتحدٍ دخلت تجربة الفصحى كرد لتساؤلاتي فكتبت وكنت قاب قوسين من التأهل لمسابقة شاعر الجزائر، لكن وجدت الطريق الوصول أطول مما تصورته، وهذا ليس لعدم مقدرتي لمواصلة الكتابة، إنما وجدت رسالتي بدأت تأخذ فروعًا متعددة وتتجزأ لتصل قليلة بعد كل مسلك، فتكاثرت المسالك وتفرقت الرسالة، فراودني الحنين لحرفي القديم، رجعت للشعر الشعبي والملحون، ليكون قراري الأخير البقاء في هذا الفن الأصيل الذي اخترته عن قناعة كوسيلة لإيصال رسالتي.


• الشعر الشعبي أو الملحون هو أعرق فن في الجزائر، فهلا حدثتنا عن تاريخ هذا الفن الذي واكب الأحداث في الجزائر ونقل هموم ومشاعر الجزائريين عبر حقب متفرقة وأزمنة مختلفة؟


حكيم يعلى: الشعر الملحون فن قائم بذاته، هو منهجي في موازينه وشروطه، فالشعبي بصفة عامة يعتمد على لغة ولهجة المتلقين المتعارف عليها مما جعله ينتقل بسلاسة من جيل إلى جيل آخر ، فكل الشعب يتقن ويفهم الشعر الشعبي سواء بالخطاب المباشر أو التلميح في معظم الأحيان.
لقد كان للشعراء مكانة في تعبئة الناس بكلام ساحر مقنع يفهمونه، وكان الشعراء الشعبيين خلال فترة ما بمثابة الإعلاميين حاليا، بل كانوا مؤرخين كذلك بغير قصد، حيث كانوا ينقلون الأحداث التاريخية من خلال معايشتها ونقلها عبر قصائدهم، ومن أشهر الأحداث التي تناقلتها ألسن الشعراء معركة مزغران، فقد كان الشعر الشعبي مهمًا جدا وكانت قصائده إحدى الأسلحة لمن يتقن سلاح الحرف.


• الشعر الشعبي بلهجته الشعبية والدارجة يجعل رسائله تصل لكافة أطياف المجتمع بسهولة، ألا تعتقد أن هذه الميزة جعلت تأثيره أكثر لدى المتلقي وجعلت منه فن له شعبية كبيرة في الجزائر؟


حكيم يعلى: عامة الناس وخاصتها والكثير من الأدباء في الأصناف الأخرى والكثير من النخبة تظنّ أن الشعر الشعبي هو كلام يفهمه المتلقي مباشرة بلا أدنى تفكير، فأين هنا الفرق بينه كونه شعرًا وكلامًا عاديًا؟، هذا تصوّر خاطئ كان سائدًا في السابق، فشعراء الشعبي بكلّ أصنافهم الأمّي والمتعلّم والمثقّف والعالم وما بينهم عندما يقولون شعرًا شعبيًا (وهو حقهم كونهم شعراء) سيعكس مستواهم الثقافي والفكري في قصائدهم. أنا أحارب بكل ما أتيت من قوة فكرة أن الشاعر الشعبي ليس له مستوى فكري، لأن الفكرة خاطئة. الشعراء يعتمدون على اللهجة العامية فقط. فالشعر الملحون والشعبي هو فن يستعمل هذه اللغة وليست اللغة هي التي تستعمل هذا الفن، أقول أن اللغة هي مقياس قوّة الفن، فنفس القول يقال عن المسرح والسينما والإذاعة والتمثيل أنّه يوصلونه بالدارجة، فهل نستطيع قول عليهم بأنّهم ليس لهم فكر، الأفكار والسيناريو والقصّة والتمثيل هم الأساس، واللغة أو اللهجة ماهي إلا وسيلة نقل ذلك الإبداع.
خلاصة القول أن نخبة الشعراء الشعبيين يقولون شعرًا يتطلّب التفكير ليفهمه المتلقي.


• لو طلبت منك أن تحدد مكانة الشعر الشعبي في الجزائر، هل تعتقد أن هذا الفن أخذ المكانة التي يستحقها مقارنة مع الفنون الأخرى؟


حكيم يعلى: ليس له المكانة التي يستحقّها كما ينبغي، لماذا؟، لأنّه فن فكري، أي يعتمد على فكر المتلقي والتدقيق فيما يقوله الشاعر، لأنه فن عميق ويوجه رسائل باطنية، على العموم كلّ الفنون الفكرية تعاني من أزمة الاهتمام بها بصفة عامة.
تظهر مشكلة الملحون والشعر الشعبي جليّا في المسابقات، حيث يعتمد التقييم في الكثير من الأحيان على مزاجية الحكم والوقت والظرف، ففي رمشة عين يضرب عرض الحائط الميزان والقياسات والصور الشعرية الجديدة وخلق الكلام.


• في رصيدك ديوان شعري «رواق الأسرار»، حدثنا عنه وعن ما يحتويه من أسرار إن صح التعبير


حكيم يعلى: ديواني «رواق الأسرار» مبني على علاقة القوّة بالضعف، وعلاقة العمر بما ليس على الورق الرسمي، وعدم اعتراف الولد الصغير بنضجه وتحمله للمسؤولية، قصائد في البدايات أعتبرها سند معنوي لي في تحريري فيما بعد رسائلي الوجودية للآخرين.


• قل لنا شعر من أشعارك هدية لكل القراء.


حكيم يعلى: من الشعر الشعبي سأختار لكم:


مرّات بلا ما نحس نمشي بحفى
فوق الشوك وحال من ملكو تهواس.
نتجرح والدمّ ما يبغي نشفه
حتىّ يرجعلي مداد على قرطاس.
نسيت المحطّه نْزلت ويا كلفه
تْزيد و في جيبي بْقى غير الاحساس.
نطبّل باش غرابلي تعمل رجفه
تْفوّتلي مَنْ زينها حكمه للنّاس.
مال البال غريق في حفره من السيل
والشدّه فيه امْقَطْْعه ويدان حامله.
الصحّه والوالدين العُمْر الجميل
حْباب و خاوه كيف دنيا جات كامله.
عْبار قْناعه راه سلطان جْميع كيل
وَبْلا بيه مُوازنك بَرْياح مايله.
زين يطوّع مَنْ قْليبو حجره يْميل
خلّيك الحسّاس مول عْذار هايله.
ما تظلم وتقول علمي راهو قليل
وَبْلا دِين بْلا خْشُوع تبان زامله.
كي نكتب لشعار بمداد الحكمه
طير القفص مشبّهو جنحو مكسور.
بالاك بكى غير صابر بالنغمه
ماشي ديما من طرب راهو مسرور.
لاتحقر وتهون بالعين الخيمة
خاطر في خيمات ترجع كيف قصور.
أما من الفصيح سأختار:
ما كُنْتُ أدري سوى أنِّي على عَجَلٍ
نسيت إملاق ما يأتي به العَجَلُ.
يامُهجتي أنظري دومًا إلى مَثَلاٍ
تمضي سنيني ويَكْفِي لمحة ً المثَلُ.
ضاع مِنْ بَيْنَ أيْدِينَا كذا حُلُمٍ
في موعدٍ كان مِنْ أسْبَابِنَا الخَجَلُ.
خوفٌ بنا من ضياعِ الرِزْقِ في عُمُرٍ
نحيا وفَقْرًا له تستسلمُ الحِيَلُ.
إن القلوب التي إن أُمْلَقَتْ دَهَبَتْ
لا ترتضي قِسْمَةً ضاقتْ بها السُبُلُ.
حُزْنٌ على ما مضى في عُمْرِنا حَسَنًا
يُنْسيِ حياةً لنَا لَمْ يَنْهِهَا الأجَلُ.
دُنْيا وإن جاءني من حُسْنِهَا مثلا
لا يرتقي للذي يأتي به الأمَلُ.


• ماهو النداء أو الرسالة التي تريد إرسالها من خلال منبرنا؟


حكيم يعلى: رسالة لإخواني الشعراء خاصّة منهم النخبة، لا تجعلوا لهجة ولغة منطقة تعطي الإنطباع بقوّة الشعر، فلهجة المنطقة وسيلة لشعرائها لإيصال رسائلهم فقط وليس الشعر في حد ذاته.
رسالة أخرى لفئة هي في تيهان وفي طريقها الذي تراه صحيحا لهؤلاء أقول: «لا تظنوا أن الشعر الملحون هو اسعمال ألفاظ وتشكيل على طريقة تقترب من المغربية، الشعر الملحون والشعبي هو تراث وطني وفن، وليس قولا فقط، فكل شاعر يستعمل لهجته ولهجة وطنه أو لهجة مهذبة لإبراز قوّة فكرته وعمق تصوره، لأنّ اللهجة وسيلة وما يهم هو الفكرة التي تريد إيصالها والتي تعكس ثقافتك وإدراكك للأشياء.


• الشاعر حكيم يعلى سعدت بمحاورتك، في الأخير أترك لك كلمة الختام.


حكيم يعلى: أرسل كلمة جميلة لكل موهوب فكّر بأنّ له شيء مختلف بسبب موهبته، فمن العدل أن يبرزها، لي مقولة تقول أن الموهوب الذي لا يبرز موهبته هو كالرسّام الكبير الذي يرسم بالأبيض على لوحة بيضاء.
سعدت كثييرا بهذا الحوار اخي سمير الإعلامي الراقي، وما اختيارك الحضور بين ممارسي الفنون والأدب إلا لإنسانيتك وذوقك الراقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى