سعيد رضواني. قراءة نقدية لقصة “لقاء مع بورخيس” للكاتب سعيد رضواني.

✍️الناقد عبد الرحيم التدلاوي.المغرب
(الأبعاد المكانية ودلالاتها):
عندما أفكر في الأماكن في قصة “لقاء مع بورخيس”، أشعر أنها ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي جزء أساسي من الحكاية، تساعد في فهم علاقة هذا “الأنا” ببورخيس.
الطريق إلى البحر: هذا المكان بالنسبة لي يمثل نقطة تحول، كأنني أغادر ضجيج الحياة اليومية وأتجه نحو شيء أهدأ وأعمق. البحر هنا يرمز إلى اللاوعي، إلى مصدر الإلهام. اللقاء في “الطريق إلى البحر” يوحي بأن العلاقة بينهما عابرة، لكنها تحمل إمكانية التغيير.
معرض الكتاب بجانب البحر: هذا المكان يمثل عالم الأدب والمعرفة، حيث يجتمع محبو الكلمات. وجوده بجانب البحر يربط بين الفكر والطبيعة، كأنه يقول إن الاثنين يمكن أن يكملا بعضهما. لكن القصة تظهر أن هذا المكان، الذي يفترض أن يكون نقطة التقاء، يصبح في النهاية مكانًا للانفصال بينهما.
ملتقى الطرق قرب بائع الجرائد: هذا المكان هو اللحظة الحاسمة في لقائهما المباشر. “مفترق الطرق” يمثل لحظة تقاطع مسارات، لكنه يحمل أيضًا إشارة إلى إمكانية الابتعاد. وجود بائع الجرائد يربط اللقاء بالعالم الخارجي، لكن حديثهما يتجاوز الأخبار والمعلومات السطحية.
الرصيف المواجه للمدار: “المدار” بالنسبة لي يرمز إلى حركة الحياة المستمرة، إلى التكرار والاحتمالات. وقوفهما على الرصيف المقابل لهذا المدار يوحي بأن لقاءهما يحدث على هامش هذه الحركة، في نقطة يمكن أن تؤدي إلى اتجاهات مختلفة.
أعلى/أسفل: حركة رفع الرأس نحو السماء والنظر إلى عمقها تمثل بالنسبة لي التطلع والبحث عن معنى، والغوص في الذات وفي كلام الآخر. إهانة العلم للقمر تشير إلى صراع بين النظرة الشعرية والنظرة العلمية، وهو ما يظهر في حوارهما.
اليمين/اليسار: رغم عدم ذكرهما صراحة، يمكن أن نفهمهما من اتجاه حركتهما نحو البحر أو المعرض، كأهداف أو مسارات مختلفة. عدم تلاقيهما في المعرض يشير إلى اختلاف في هذه المسارات أو في التوقيت.
دلالات اليمين واليسار والأعلى والأسفل: بالنسبة لي، اليمين قد يمثل العقل والمنطق، بينما اليسار يمثل الحدس والعاطفة. الأعلى يرمز إلى الروحانية، والأسفل إلى الواقع المادي. في القصة، ميل “الأنا” نحو الأدب والعلم يشير إلى صراع داخلي نحو التكامل. نظرته للأعلى والأسفل تعكس رحلة بحثه عن المعنى.
الأنا والآخر:
بالنسبة لي، علاقة “الأنا” ببورخيس هي قلب القصة. هذا اللقاء ليس مجرد لقاء بشخصية أدبية كبيرة، بل هو مواجهة مع “آخر” يمثل نموذجًا محتملًا لـ “الأنا”، أو على الأقل يثير أسئلة عميقة حول هويته وطموحاته.
التماهي والطموح: بداية إعجاب “الأنا” ببورخيس ورغبته في أن يكون مثله تعكس رغبتي في تجاوز ذاتي وتحقيق مستوى معين من التأثير أراه في الآخر.
أسئلة الهوية والتمايز: أسئلة بورخيس حول خطر المقارنات وفقدان الذات تدفعني للتفكير في هويتي وضرورة الحفاظ عليها.
التكامل والتناظر: محاولة “الأنا” إيجاد نقاط التقاء بينه وبين بورخيس، وبين الأدب والعلم، وفكرة العوالم المتوازية، تشير إلى رغبة في فهم العلاقة ليس كتطابق أو اختلاف، بل كتشابه مع اختلافات.
الكائن الثالث: فكرة الكيان غير المرئي الذي يتشكل من روحيهما تتجاوز فكرة الأنا والآخر المنفصلين، وتشير إلى اتصال أعمق.
المرآة والانعكاس: صورة المرآة ترمز لعلاقتنا بالآخر وكيف نرى أنفسنا من خلاله، لكن القصة تحذر من أن نصبح مجرد نسخ باهتة.
نهاية مفتوحة: عدم اكتمال اللقاء في المعرض يشير إلى أن فهم الذات والآخر عملية مستمرة. الرسائل في النهاية تؤكد على هذا الحوار المستمر.
بشكل أعمق:
بالنسبة لي، قصة “لقاء مع بورخيس” ليست مجرد حكاية، بل هي رحلة استكشافية لعلاقتي بالقدوة، ولطبيعة هويتي وتأثير الآخرين عليّ. تطرح أسئلة حول كيف يتشكل “الأنا” من خلال “الآخر”، وهل يجب أن أتماهى بالآخر لأتطور، وما هو التأثير الحقيقي والإلهام، وكيف يمكن أن أتجاوز فكرة التطابق والاختلاف. الأماكن في القصة ليست مجرد خلفية، بل هي جزء من هذه الرحلة، تعكس حالات نفسية وعلاقات متغيرة. النهاية المفتوحة تجعلني أشعر بأن فهم الذات والآخر هو عملية مستمرة لا تنتهي بلحظة واحدة.