قصائد و مقالات

منحنيات الخطر و تصاريف القدر

✍️محمد ابراهيم الشقيفي
الأشد ألم من الحزن ، أن تفقد العين رغبتها فى منع نزيف البكاء ، وأن يوافق القول شعور القهر ، حين نزل وهن اليأس ، وقل يقين الرجاء ، من أصعب مراحل البؤس، أن تبكي فى جو معتم ، خشية أن يراك عزيز ، وانت بحالة لا وعي ، وكل شىء أمامك ينهار ، والله لقد افجعت قلبي تلك المقدمة ، حركت مشاعري الساكنة ، و أكاد أجزم أن الجوارح المتحجرة ، حدث لها انفصام غريب ، لكن العقل يدرك رغم شتات منحنيات الألم ، أن هناك فى جوف العدم ، تصاريف تستحق الصبر ، فى خبيئة القدر .
لحظات بل سنوات قاسية ، تمر بها الدكتوره / زينب محمد رواش الحاصلة على بكالوريوس طب وجراحه عين شمس، بنت محافظة الشرقية ، التي ذاقت ويلات الفقد ، ولديها نور البدر والقمر فى تمام الاكتمال ،
عصفت بها فاجعة الفراق حين رأت شبح الوداع ، يأخذ المؤنة زاد الحياة ، من هنا بدأت هذه المرأة المصرية ، تخوض معركة الصراع ، إما أن تسلك درب الصبر على الابتلاء ، أو إنها تعيش فى كهف وحشة الرحيل ، المهنة الملائكية لصاحبة القلب الرحيم ، وعملها بوزارة الصحه ، داخل إحدى المؤسسات العلاجيه ، بداية من مستشفى هليوبوليس ثم مروراً بالعمل مستشفى منشيه البكري ، ثم عملها في مراكز الرعاية ، إضافة إلى حصولها على ماجستير أطفال ، و رغم أن مشاهدتها لحظات انقباض الروح من الجسد ، لبعض الحالات الحرجة ، إلا أن كل هذا لم يجعلها في حالة من الثبات الانفعالي ، لقد انكسر قلب الأم ، فلم تعد تستطيع البقاء ، وكل زوايا البيت ، تنادي على كل فقيد ، وهى تسمع أصوات غيث الحزن على رحيل وليد الفرح ، الذي ترك وداعه ، غصة في قلب الأم تشبه منحنيات الخطر ، أشعر أن هلوسة الفكر ، تنادي على الصور المعلقة في كل اتجاه .
الأسرة التي افنت شبابها فى خدمة الوطن ، الأب التي تهتز له شوارب الرجال وقت النزال، يتواضع المرء ،حين يلمع النسر الذي يحمل شرف العسكرية فوق أكتافه ، هذه الأسرة التي خاض رب بيتها معركة النصر والتحرير ، كان حلمها الأوحد أن تنجب إلى العسكرية بطل يستكمل مسيرة الفداء ، وتحقق الحلم الذي لم يعد مجرد أمنية ، بدخول فلذة أكبادهم الأكاديمية العسكرية ، إلى أن وصل إلى الدنيا البطل المقدم/ وائل مجدي الذي اصيب على أثر حادث فى العمل ، لم تسعفه تخصصات الأطباء النادرة التي أتت من كل فج ، وكان الابتلاء إحدى تصاريف القدر ، و بدأت تعرجات الخطر ، تأخذ منحنيات فقدان الأمل ، غيبوبة أفقدته الوعي، لم تشفع لها توسلات الأم الحائرة ، اسودت ملامح الدنيا فى مرآة كانت تزينها ملامح الشهيد .
أتت الرياح عاصفة بصدمة كبرى ، وفقدت الأسرة توازنها ، وانتاب الأب واخية حالة من عدم الثبات ، تراخت القوة ، سقطت العزيمة بضربة قاضية على وجهها الشاحب ، الطبيعية الإيمانية لهذه النماذج الطيبة ، دعتهم إلى التدبر في دار القرار ، وجاء وعد الصدقة الجارية ، و فكرة مسجد الشهيد المقدم الشهيد ، اشتدت سواعد العاصفة ،وضاق صدر الأخ الأصغر محمد مهندس/ الجرافيكس، فجأة وترك الدنيا وزوجته وحيده ، لحظة الفجر ، غيم الليل على ، أحشاء امرأة حامل ، الشاب خرج ولم يعد ، أهوال صدمة فاجعة الموت المفاجئ، ومحاولة انعاش الفم غير المجدية، أفقدت سفينة تقودها الأم والاب رغبتهما في الحياة ، انهيار شديد مزق النسيج الأخضر، وتفسير مبهم ، انشق الصدر بين الضلوع إلى نصفين ، الدخول فى تيه الحرمان ، لكن للقدر رؤية أخري ، على خلاف كل تصور بشرى ، نعم المحن تولد نفحات المنح الربانية .
بدأت رحلة الأم التي مازالت تتمسك بها وزارة التعمير والاسكان وهيئة المجتمعات العمرانية ، كمستشار للوزير لامانتها وخبرتها ، تأخذ منعطف أخر ، الإنهيار التام وحالة التيه ، تغشاه تجليات روحانية الرحمة الإلهية ، تضافرت الجهود الذاتية لتحقيق حلم بناء مسجد الشهيد ، ودخوله أولى مراحل حيز التنفيذ ، وأدركت تلك العائلة ، معني الآية الكريمة ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، وتحديدا عام 2016 ، حكت الأم الصابرة على الابتلاء ، بداية رحلتها مع العلم وأهل الوعظ فى رحاب إيمانية ، وكانت لنا وقفة مع دور الوعظ والفقه النسائي ، رزقت الأم بحسن الخلق ، وفطنة بعد فتنة الموت ، وكان للداعية الإسلامية المهندسة عبير أنور ، دور بل وعلامة فارقة في حياة السيدة ، التي علقت في سراب قاحل ، أدخلتها الواعظة إلى مرحلة التعافي ، بدأت بتجربة تجويد القرآن الكريم ، بعد التدبر والتلاوة الصحية ، إلى أن وصلت إلى بر من دروب الأمان ، نجح كلاهما فى عملية الإصلاح وترميم النفس ، فكانت بادرة الخير ، إحدى تصاريف القدر بعد السقوط في منحنيات الخطر ، الأمر غاية في الصعوبة ، ومحنة الأم الحنون أقوي من بركان ثائر ، يأكل الأخضر واليابس ، أصرت الداعية الإسلامية الدكتوره عبير ، على استكمال فترة النقاهة طويلة المدى ، وحفظت الأم صاحبة الوجع ، كتاب الله وشعرت بقيمة الحياة الأولى ، التي هى ممر صغير إلى أبواب الآخرة ،وكان حفل الختام يوم استثنائي ، وكأنها جائزة لنهاية رحلة غلبة عليها طباع القسوة ، لكن الزوجة الوفية صاحبة الأعمال الخيرية ، والتي لها باع طويل فى كفالة الطفل اليتيم، لم تستسلم مطلقاً ، أدركت بعد بناء النفس الشقية من جديد ، والتي استغرقت تعافيها بالتوازي مع تشيد عمارة مسجد شباب آهل الجنة ، بجهود جمع غفير من المتبرعين ، أن وراءها جند من جنود الله ، وقائد حمل لواء الصبر ، ألا وهو الزوج الصالح والرجل العظيم سيادة اللواء مجدي الذى أفنى حياته بالجيش المصري .
قصة عميقة تنجلي بها الصدور بالحزن وفرح النهايات ، وفرج اتي بالمبشرات ، لم تنتهي الرحلة بعد ، بل كان للأسرة حفيدة ، فتحت لهم كل أبواب الخير ، لتعود الحياة بعد أن ذبلت جذورها ، بفضل الحمد ، وتدبر معاني النبل التي تكمن فى آيات الله الحليم ، فكان للقدر تصاريف تستحق الشكر ، ورسائل تمحي صفحات اليأس بين آهات الليل التي مزقت وريقات الأمل ، من كتاب حكي لنا تقلبات صرخة استغاثة تتأوه بين تعرجات الخوف ، وانطفاء شموع الصبر ، ثم لحظة الانتصار بعد الانكسار ، ويبقي للقدر احتواء ، لبقايا العمر ، ويتبدل حال المرء ، فى لحظة اتي فيها الإيمان ، رغم انحناء الظهر ، وقسوة الأيام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا عن طريق الواتس آب