حرية الصحافة في زمن الذكاء الاصطناعي: مسؤولية تتجدّد..

الخبر – رغد المبلع :
في زحام المنصات الرقمية، تتدفق مقاطع وأخبار وصور تولّدها خوارزميات ذكية، تُعرض علينا وكأنها حقائق دامغة، تقشعر لها الأبدان. وبين مصدّق ومكذّب، يقف المتلقي حائرًا أمام مشهد يطمس الحدّ الفاصل بين الواقع والوهم.
وهنا تبرز الحاجة إلى أخلاقيات إعلامية حقيقية، تُحسن استخدام التقنية دون أن تفقد الإنسان قيمته أو تتنازل عن شرف المهنة.
قديماً، كانت الصحافة سلطةً رابعة تُهاب، وصوتًا يحمل الحقيقة من الميدان إلى الناس. الصحفي كان شاهدًا على الحدث، وقلمه ميزانًا للوعي، ومصدر المعلومة موثوقًا لا يقبل الشك. أما اليوم، فقد ضاعت الحقيقة بين آلاف المنصات، وتحوّلت قضايا الرأي العام إلى فضائح، يتداولها الجميع بلا تحقق، وتغرق في زحام “الترند” وسلعة يتسابق عليها التفهاء لتحقيق “المشاهدات المليونية”، حتى صار المتلقي في حيرة: من أصدق؟ وماذا أصدّق؟
لقد غيّرت وسائل التواصل شكل الإعلام، لكنها لم تغنِ عن الصحافة الحقيقية. فالحسابات الشخصية، مهما بلغت جماهيريتها، تفتقد إلى معايير التحقق، وأخلاقيات النشر، ومسؤولية الكلمة. الفرق الجوهري ليس في سرعة الوصول، بل في عمق الوصول إلى الحقيقة.
لا ننكر أن الذكاء الاصطناعي بات أداة فعالة تُعين الصحفيين على تحرير المحتوى بسرعة ودقة، تساعد الصحفي في ترتيب أفكاره، وتحرير نصه، وتجاوز التفاصيل المرهقة، لكنه حين يتحوّل إلى الكاتب نفسه بدل أن يكون مساعدًا له..!
هنا يفقد النص روحه، وتغيب بصمة الكاتب خلف سطور باردة لاتحمل بصمة..! مع هذا الاعتماد الكامل صرنا نقرأ نصوص يتشابه فيها الجميع، وقد كنا من قبل نراهن على هوية كاتب الجملة دون أن نقرأ اسمه..!
ومع اقتراب رؤية المملكة 2030، من تحقيق أهدافها، في أقل من عقد، يتعاظم دور الصحافة لا كناقل، بل كشريك فاعل في صناعة التحوّل، ومواكبة الطموحات الوطنية، فرؤيةٌ بحجم الوطن، تحتاج إلى إعلام يرقى بحجم التطلعات، يروي قصص التقدّم، وسير النجباء، ويضيء على الإنجازات، ويطرح الأسئلة، ولا يخاف منها.
ومع تصاعد الهجمات الممنهجة عبر حسابات وهمية تحاول تشويه صورة المملكة، يبرز دور المواطن الواعي إلى جانب الصحفي، في توحيد الموقف الإعلامي، ودرء الشائعات، خصوصًا ونحن نقترب من موسم الحج، الذي بتطلب حضورًا إعلاميًا موثوقًا، وكلمةً مسؤولة تصون الحقيقة وتدافع عن الوطن.
نحن نعاصر صحافة قوية،تقف في وجه التحولات، لتواجه جيلًا مختلفًا، يحتاج أدوات توائم سماته، وتسخر أقلامًا تخاطب عقله النقدي، بضمير حي، ومن خلال رسالة تُبنى على المصداقية.
حرية الصحافة اليوم ليست شعارًا، بل مسؤولية. مسؤولية أن ننتج معرفة لا فوضى، وأن تقف المعلومة على أرض ثابتة تحترم الحقيقة في زمن يسهل فيه تزييفها وهدم ركائزها.