قصائد و مقالات

عمر صديق… دبلوماسية الملفات الشائكة

وجه الحقيقة

✍️| إبراهيم شقلاوي

في خطوة تعكس حسابات دقيقة للمرحلة الراهنة، اعتمد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، تكليف السفير عمر محمد أحمد صديق وزيرًا للخارجية. جاء هذا القرار في لحظة فارقة تشهد تعقيدات سياسية وأمنية غير مسبوقة، وضعت الدبلوماسية السودانية أمام اختبارات صعبة تتطلب وجوهًا ذات خبرة عالية وحساسية في قراءة توازنات الداخل والخارج. في هذا المقال نحاول الكشف عن الدواعي المحتملة التي أتت بالرجل لهذا الملف في هذا التوقيت.

يُعد السفير عمر صديق من أبرز قيادات السلك الدبلوماسي السوداني، فقد شغل مناصب حساسة تمثلت في سفارات السودان لدى سويسرا وألمانيا وبريطانيا وجنوب إفريقيا، إلى جانب موقعه كمندوب دائم لدى الأمم المتحدة، وانتهاءً بمنصبه سفيرًا في بكين. لا يبدو أن اختياره تمّ على سبيل المصادفة، بل جاء – على الأرجح – ضمن رؤية تستهدف توظيف رصيد خبرته الطويلة في التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية المعقدة التي تواجه السودان، خاصة في ظل الأزمة السياسية الراهنة. كما أنه ربما مرتبط بمرحلة مفاوضات قادمة تنوي الحكومة السودانية الدخول فيها لهندسة المشهد السياسي تمهيدًا لإحلال السلام.

اسم السفير عمر صديق لم يكن غائبًا عن الساحة خلال الفترات الماضية، فقد برز خلال محادثات جدة في أكتوبر 2023 بين الحكومة السودانية ومليشيا الدعم السريع، حيث كان جزءً من الوفد الرسمي، قبل أن تواجه مشاركته اعتراضًا من جانب التمرد الذي أعلن رغبته في مفاوضة الجيش فقط، ورفضه التفاوض مع ممثلي الحكومة. ورغم إبعاده لاحقًا من طاولة الحوار الرسمي، إلا أن حضوره ظل قائمًا كخبير ومتابع، ما يشير إلى استمرار دوره في الكواليس، وربما يعكس ذلك مدى ثقة القيادة السياسية بقدرته على إدارة ملفات التفاوض الشائكة.

السياق الدولي الذي جاء فيه تعيين عمر صديق يُظهر حجم التحديات الماثلة أمام وزارة الخارجية. فالعزلة المفروضة على الخرطوم من بعض الأطراف، والحديث عن شرعية السلطة، تستدعي دبلوماسية تتمتع بالكفاءة والمرونة والمقدرة على مخاطبة المجتمع الدولي برؤية متماسكة. وتكمن حساسية المنصب في أن السودان يواجه اليوم ضرورة إعادة ترميم علاقاته مع الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والإيقاد، وهي مهمة تتطلب جهدًا دبلوماسيًا محترفًا قادرًا على تجاوز تراكمات السنوات الأخيرة.

في خضم هذه التحديات، برز أول تواصل دبلوماسي علني عقب التعيين، في اتصال وزير الخارجية المصري د. بدر عبد العاطي بالوزير عمر صديق، في خطوة فسّرها البعض على أنها تأكيد مصري على دعم الخرطوم، بينما رآها آخرون مؤشرًا على رغبة القاهرة في تثبيت نفوذها في الملف السوداني. هذا التواصل يأتي في سياق الحديث عن نية مصر تنظيم مؤتمر سياسي ثانٍ للقوى المدنية السودانية، مما يضيف بعدًا إقليميًا إلى مهام الوزير الجديد، كما تلقي ايضا رسالة تهنئة من محمود علي رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي في إشارة إيجابية تؤكد دعم الاتحاد الأفريقي للسودان ، في ظل احتدام التنافس بين المحاور الإقليمية الفاعلة، وتعدد الرهانات الخارجية على مستقبل الوضع في السودان.

يبقى من السابق لأوانه الحكم على مدى قدرة صديق على المناورة بين هذه المحاور، خصوصًا وأن كل تقارب مع طرف إقليمي قد يُنظر إليه بريبة من أطراف أخرى، ما يجعل من موقعه السياسي والدبلوماسي حقل ألغام حقيقيًا. التحدي الأكبر أمامه سيكون إقناع المجتمع الدولي بعدالة القضية السودانية، وإدانة الأطراف الإقليمية الداعمة للتمرد، إلى جانب اعتماد مقاربة جديدة في التفاوض المحتمل الذي بدأ الحديث عنه في عدد من الدوائر الإقليمية والدولية. نجاح صديق يعتمد على قدرته على تقديم سردية جديدة في جميع الملفات، تُعبّر عن الواقع، وتعكس في ذات الوقت مساعي الإصلاح والسلام وإرادة الخروج من الأزمة.

إذا تمكن عمر صديق من توظيف رصيده في المحافل الدولية لفتح قنوات اتصال فاعلة مع الغرب، ونجح في إحراز تقدم ملموس في ملفات الإغاثة الإنسانية، وفك العزلة ، فقد يصبح من أبرز وزراء الخارجية الذين تعاقبوا على هذا الملف، وربما يرتقي به ذلك مستقبلًا. المعادلة بالغة الصعوبة، فالمطلوب هو التوازن بين خطاب سيادي لا يتنازل عن استقلالية القرار الوطني، وبين دبلوماسية واقعية تنفتح على العالم دون استعداء أحد. وفي قلب هذه المعادلة، لا بد من أخذ الاعتبارات الداخلية في الحسبان: “إرادة السودانيين”، والتي باتت مؤثرة في جميع المعادلات.

هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة: الواضح أن القيادة السودانية تدرك أهمية اختيار دبلوماسي بمواصفات عمر صديق في هذه اللحظة الحرجة. فهو ليس مجرد سفير عائد من الخارج، بل شخصية لها باع طويل في فهم لغة المصالح والتوازنات. ولكن الرهان عليه يتجاوز ما راكمه من خبرات، إلى قدرته على تحويل هذه الخبرات إلى إنجازات سياسية واقعية تفتح للسودان نوافذ جديدة نحو العالم. الأسابيع المقبلة ستكون كاشفة؛ إما أن يُترجم هذا التعيين إلى تحرك فاعل يعيد رسم صورة السودان على الخارطة الدبلوماسية، أو أن تبقى الملفات عالقة، والتحديات أكبر من الإمكانات.

دمتم بخير وعافية.
الأحد 4 مايو 2025م [email protected]

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى