قصائد و مقالات

مذكرات الولد الشقي

✍️: فايل المطاعني
يقولون إن الطفولة بريئة، لكنهم ينسون أن وراء كل طفل “ولد شقي” يُخطط لمغامرات لا تخطر على بال الكبار. واليوم، لن أحدثكم عن شقاوة عابرة، بل عن معركة صغيرة دارت رحاها في حارتنا بيني وبين أخي… من أجل فتاة اسمها سلا فراس. وأرجوكم، لا تخبروا أم سعود بما سأقوله لكم، فربما يكون هذا آخر ما أكتبه قبل أن أنقل إلى مستشفى خولة قسم العظام.
( سلا فراس )
العلاقات الإنسانية منذ الأزل قائمة على ذكر وأنثى، وهذه فطرة البشر. ويبقى التنافس بين الذكور للفت انتباه الفتيات سنةً ماضية لا تتغير، حتى وإن كنا أطفالاً لا نعرف من الحب سوى اللعب والضحك.

في ذلك الزمن الجميل، كانت البيوت مفتوحة، والحارات تضجّ بالأصوات والضحكات. لم يكن اللعب مع الفتيات عيبًا، بل كثير من قصص الحب والزواج بدأت من بيت الجيران أو من فتاة الحارة الملاصقة لبيتنا. وهناك، في إحدى تلك الأيام، تعرّفت على فتاة مختلفة… اسمها سلا فراس.

سلا كانت إيرانية الأصل، قادمة من مملكة السويد، ووالدها رجل أعمال معروف يمتلك عدة محلات لبيع ألعاب التسلية في سوق العين القديم نحن نسميه السوق المركزي أو سوق العمانيين . بمدينة العين بدولة الإمارات العربية المتحدة تخيلوا معي، فتاة أجنبية، جميلة، والدها مليونير… ونحن مجرد أولاد حارة نلعب بـ”القلعة والرمل”.

لكن الكارثة لم تكن في سلا، بل في تفضيلها الدائم لأخي الأصغر عليّ. كانت تلعب معه أكثر، وتضحك على نكاته السخيفة، رغم أنني منقذ زبيدة في العملية الفدائية الشهيرة (أنتم تعرفون القصة طبعاً!). أخي كان يشبه المطرب المصري الراحل عمر فتحي، بل كان يقلد حركات حسين فهمي في فيلم “نغم في حياتي” مع ميرفت أمين. أما أنا، فكنت أميل أكثر لطريقة محمود ياسين، الطبيب الفيلسوف.

جيلنا انقسم بين “حزب حسين فهمي” – الواد الثقيل، و”حزب محمود ياسين” – الرومانسي الحكيم. وطبعاً، حزب حسين كان ماخذ الجو كله.

لكن ما كانت تحبه سلا أكثر من أي شيء، هو شعر أخي الناعم وتسريحته الأنيقة. وهذا كان يزعجني… كثيراً!
وفي لحظة من لحظات الغيرة، جاءني الشيطان بفكرة عبقرية. كنت أنام مع أخي في غرفة واحدة، فقررت أن أجعله “يُسّرح” مثل وديع الصافي بدل حسين فهمي!

جلبت مزيل الشعر من الحمّام، وانتظرت أن ينام، ثم بدأت العملية السرّية. وضعت الكريم في خصلات شعره الناعم، وعدت للنوم. غداً سيكون يوماً مشرقًا… لي وحدي! قال لي الشيطان وقتها: لا تتأخر عن المدرسة، كي لا تنخفض درجاتك… يا له من صديق حريص!

مع أول ضوء للصباح، استيقظت على صوت يملأ البيت:
ـ “شعريييي! شعري راااااح!”
ركضت كأني المنقذ، وعيناي تلمعان بالفرح الخفي. رأيت أخي يحتضن الوسادة بينما الشعر يتساقط بين يديه. وأخيرًا، انتهت قصة حسين فهمي.

لكن فرحتي لم تكتمل. جاءت سلا فراس، نظرت إليه وقالت:
ـ “يا لك من وسيم اليوم! لقد منحتك الصلعة وسامة!”

سكتُّ للحظة… شعرت وكأني في نكتة لبنانية، مثل تلك التي تقول:
ذهب شاب إلى الحلاق وطلب منه تسريحة تشبه وليد توفيق،
انشغل الحلاق بالحكي، وعندما انتهى، وجد الزبون رأسه أصلع!
صرخ الشاب: “قلت لك وليد توفيق!”
فأجابه الحلاق: “يا سيدي طوّل بالك… من شو بيشكي وديع الصافي؟”
وهكذا انتهت خطتي العبقرية بـ”نصر مشوّه”. أخي كسب قلوب الفتيات حتى بلا شعر، وأنا كسبت نظرات الشك من أمي… ومن أم سعود أيضاً!
وإن لم أكتب المذكرات غداً، فاعلموا أن السر قد انكشف… وأنني في غرفة الطوارئ، أراجع حساباتي مع الشيطان!

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى