قصائد و مقالات

رئيس الوزراء… لم يُعيَّن بعد!

وجه الحقيقة

✍️إبراهيم شقلاوي

وسط المشهد السوداني المعقّد، تتضح ملامح تردّد سياسي في اتخاذ قرار حاسم بشأن تشكيل الحكومة التنفيذية. فبينما تبدو الوثيقة الدستورية جاهزة كإطار شرعي للانتقال، تواصل القيادة نهج “التكليف دون التعيين”، بما يعكس غياب رؤية مكتملة لتشكيل حكومة قادرة على إدارة المرحلة، في وقت تتزاحم فيه الاعتبارات الأمنية والسياسية والمجتمعية على المستويين الداخلي والخارجي. في هذا المقال نحاول مناقشة ذلك بالنظر إلى عدد من المعطيات المتاحة.

أصدر رئيس مجلس السيادة مؤخراً قراراً بتكليف السفير دفع الله الحاج علي وزيراً لشؤون مجلس الوزراء، مكلّفاً بتسيير مهام رئيس الوزراء. وهو قرار أثار تفاعلاً واسعاً، وُصف من قبل المراقبين بأنه “منقوص”، إذ كان المنتظر تعيين رئيس وزراء بكامل الصلاحيات لقيادة المرحلة الانتقالية، تماشياً مع ما نصّت عليه الوثيقة الدستورية المعدّلة لعام 2025، والتي شدّدت على ضرورة تشكيل حكومة كفاءات مستقلة تقود المرحلة الانتقالية خلال 39 شهراً.

يجد السودان نفسه الآن أمام مفترق طرق؛ إذ إن استمرار النهج المؤقت قد يطيل من عمر الأزمة، بينما يمكن للتعيين الكامل أن يشكل نقطة تحول في المسار الانتقالي. فربما ترى القيادة أن تأجيل التعيين الكامل هو جزء من مناورة سياسية هدفها التمهيد لتفاهمات أوسع تتعلق بالملفات الأمنية والعسكرية والسياسية، بما يُجنّب البلاد الانزلاق في صدامات إضافية. وقد يُفهم هذا المسار على أنه محاولة لتهيئة البيئة المناسبة قبل اتخاذ خطوات مصيرية.

في المقابل، قد يُفهم استمرار تعيينات التسيير الجزئية على أنه تكرار لنهج إداري تقليدي، هدفه فقط الحفاظ على دولاب العمل دون الدخول في عمق الأزمة أو تقديم حلول استراتيجية. في هذا السياق، يصبح من المشروع طرح تساؤل مهم: هل يمكن بناء استقرارا سياسيا في ظل غياب قيادة تنفيذية معيَّنة؟ الإجابة تميل إلى النفي، إذ أن مؤسسات الدولة لا تستقيم دون قيادة بصلاحيات واسعة. فالتكليف المؤقت، مهما بلغت كفاءة الشخص المكلّف، لا يمنح الشرعية الكاملة، ولا يوفّر أدوات التخطيط اللازمة لمواجهة الأزمات، ولا يُقنع الشارع ولا الشركاء المحليين والدوليين بجدية المرحلة الانتقالية.

من جهة أخرى، ربما تدرك القيادة السياسية أن هناك تحديات أمنية ولوجستية كبيرة قد تجعل من الصعب تشكيل حكومة متكاملة في ظل استمرار العمليات العسكرية. فالوضع الأمني، لا سيما في دارفور وبعض مناطق الأطراف، يفرض إكراهات واقعية قد تدفع باتجاه نهج أكثر حذراً، تجنباً للمخاطر المرتبطة بالفراغات الإدارية أو الانقسامات السياسية.

ورغم هذه المبررات، فإنها لا تلغي الحاجة الموضوعية إلى وجود قيادة تنفيذية حقيقية تقود المشهد. فقد تمّ تكليف السفير دفع الله الحاج علي، وهو شخصية ذات خبرة دبلوماسية وإدارية معروفة ، استطاع خلال مسيرته أن يكتسب سمعة طيبة تتسم بالاتزان والقدرة على إدارة الأزمات. ولكن السؤال الأهم يظل مطروحاً: هل يمكن للتكليف مهما كانت كاريزما الشخص المكلّف، أن يملأ الفراغ القيادي في ظل مشهد معقد سياسياً وأمنياً واقتصادياً؟

السودان لا يحتمل الترقب والغموض . اللحظة الراهنة تتطلب وضوحاً في الرؤية وشجاعة في اتخاذ القرار، لأن الشعب بات ينتظر مرحلة انتقالية حقيقية، لا تُدار بالتكليفات المؤقتة، بل بقيادة تنفيذية واضحة تعيد الثقة وتؤسس للاستقرار. فكما قلنا سابقاً: الترقيع لا يصنع انتقالاً، والبلاد في حاجة إلى مؤسسات ذات ولاية كاملة، لا إلى قرارات محدودة تزيد من تعقيد المشهد العام.

نحن اليوم أمام منعطف تاريخي يقتضي تجاوز الحسابات الضيقة نحو قرارات تأسيسية تُحدث الفرق، وتؤسس للسلام، وتعيد مؤسسات الدولة إلى مسارها الطبيعي. وفي هذه اللحظة المفصلية، نستدعي مقولة الفيلسوف الألماني هيجل: “لا شيء عظيم في العالم يُنجز دون شغف أو إقدام.”

هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن غياب الصلاحيات الكاملة يقيّد يد الجهاز التنفيذي ويُعطّل القدرة على اتخاذ قرارات مؤثرة وفاعلة، مما يكرّس حالة من الجمود، وعدم الاستقرار، والعجز في مواجهة الأزمات. فهل ترتقي الإرادة السياسية من حدود التكليف إلى آفاق التعيين الكامل؟ وهل تستجيب القيادة لتطلعات الشعب الذي ينتظر أكثر من مجرد التوازنات وإدارة الوقت؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، وما ستُظهره شجاعة القرار.
دمتم بخير وعافية.
السبت 3 مايو 2025م [email protected]

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى