قصائد و مقالات

مذكرات الولد الشقي الفدائي

✍️: فايل المطاعني
في طفولتنا لم نكن نحتاج إلى cape أو superpower لنصبح أبطالاً… كان يكفينا خيال جامح، وشجاعة بريئة، وسبب بسيط، كأن نحاول إنقاذ بقرة من مصير محتوم!
هذه ليست قصة خيالية، بل مغامرة حقيقية من “ولد شقي”، قرر ذات عيد أن يتحول إلى “فدائي” لأجل بقرة أحبها، وأخ صغير شاركه البطولة، في مهمة سرّية محفوفة بالخطر… وضحكات لا تُنسى!

أجمل الأيام هي أيام العيد، حيث تسود المودة والتراحم، وتلتئم العائلة تحت ظلال الفرح. ولا تكتمل فرحة عيد الأضحى دون الأضحية، رمز العطاء والطاعة، ومصدر لحكايات لا تُنسى.
كنا في كل عام ننتظر تلك اللحظة التي يعود فيها والدي – رحمه الله – بالأضحية، ويستعرضها بفخر أمام العائلة. لكنها في ذلك العيد لم تكن كبقية الأعوام… كانت مختلفة… كانت بقرة!

نعم، أراد والدي كسر الروتين، فاشترى بقرة بدلاً من الخروف المعتاد، وأتى بها إلى الحظيرة خلف منزلنا في حارة القاضي بمدينة البريمي. وما إن رأيناها، حتى أسرت قلوبنا.

كانت صفراء، بلونٍ فاقع يسرّ الناظرين، تماماً كبقرة بني إسرائيل! وعيناها؟ سبحان الله… كانت تشبه عيني الممثلة الراحلة زبيدة ثروت… صفاء لا يقاوم! فوقعنا في حبها، جميعاً… وبدأت المعضلة.

كيف لنا أن نراها تُذبح؟ كيف نأكل من عيون تشبه زبيدة ثروت؟!
وهنا خطرت لنا الخطة الجريئة…
عملية فدائية لإنقاذ البقرة!

كعادتي، كنت العقل المدبر والمحرّض… لكن دون أن أكون في الواجهة، فدائماً هناك “بطل تنفيذي”، وفي هذه الحالة كان أخي الصغير “جاسم “، الذي وافق فوراً على تنفيذ العملية السرّية.

حددنا ساعة الصفر: لحظة خروج والدي إلى صلاة الفجر، قبل صلاة العيد. كانت الحارة لا تزال نائمة، والهدوء يغطي الأزقة المتداخلة.
دخل أخي إلى الحظيرة ليفك قيد البقرة، بينما تمركزت أنا عند الباب الرئيسي، أترقب اللحظة المناسبة لفتح البوابة وإطلاق سراح “زبيدة”!

لكن ما لم يكن في الحسبان… أن والدي، المحارب بالفطرة، شعر بتحرك ما.
قال بصوته المهيب:
“من في الحظيرة؟!”
اهتزت الأرض من تحتي! فما كان مني إلا أن هربت فوراً… مثلما يقول المثل: “الضرب في واحد ولا في اثنين”!
للأسف، تم القبض على أخي الصغير، وبدأ التحقيق فوراً.

كان والدي يعلم أنني خلف الخطة، لكنه لا يملك دليلاً.
أما أخي، فقد أثبت ولاءه الكامل… رفض الاعتراف بي كمحرض، وظل صامداً حتى النهاية.
كم كنت فخوراً به! لقد كان فدائياً حقيقياً.

مرّ العيد، وذُبحت البقرة… وأكلناها، رغم كل شيء.
لكن منذ ذلك اليوم، كلما نظر والدي إلي، قال:

“آه منك يا شقي… يومًا ما سأمسك عليك غلطة، وغلطتك ستكون بألف!”

كبرنا، ومرت السنوات، لكن تلك البقرة ما زالت تعيش في ذاكرتي…
لم تكن مجرد أضحية، بل كانت أول قضية نخوضها بشرف وطفولة، أول محاولة للتمرد باسم الرحمة، وأول هروب تكتيكي فاشل!

كبرنا وأصبحنا نحن أيضًا محاربين… لا نملك سلاحاً، لكننا نحارب بالحياة مثل آبائنا.
وكلما أغمضت عيني، أعود إلى تلك اللحظة، أرى اخي “جاسم” يربت على البقرة ويقول: “اصبري يا زبيدة… سنحررك قريباً!”
وأبتسم…

فما أجمل أن تكبر، وتبقى في داخلك “ولد شقي… وفدائي!”
★ زبيدة ثروت فنانة مصرية راحلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى