الثقافية

المخرج السينمائي التونسي أنيس الأسود ضيف مع سمير

الجزء الثاني

🎙️حاوره: سمير تلايلف


🎙️أنيس الأسود أهلا بك مرة ثانية، اختاروك مؤخرا لتكون عضوا في مجلس الإدارة بالمركز الدولي لأفلام الأطفال والشباب، وبهذا تكون أول عربي وإفريقي ضمن فريق هذا المركز، فماذا يعني لك ذلك؟


• أنيس الأسود: فرحت كثيرا بهذا المنصب، للعلم أنا عضو بالمركز منذ أكثر من 12 سنة كعضو بسيط فقط، أشارك في إعطاء أرائي بالمشاركة في المهرجانات، لكن هذه المرة قدمت نفسي للإنتخابات بمشروع يهمني، يتناول الموضوع العربي والإفريقي، فاختار أعضاء المركز مشروعي وأعجبوا به، فانتخبوني لأكون عضوا ضمن مجلس إدارة المركز الدولي لأفلام الأطفال والشباب للسنتين المقبلتين، وهذا شرف لي لأكون عضوا فعالا في هذه المؤسسة العريقة التابعة لليونيسكو والمتواجد مقرها الجديد بأثينا، وسيكون أول لقاء بيني وبين أعضاء المركز يومي 5 و6 ماي المقبل للإحتفال بهذا المكتب الجديد للمنظمة بأثينا، وكذلك بداية العمل والتفكير في مشروعنا لسنواتنا القادمة، كما تعلم أخي سمير، فأنا عندي مشروع كبير في إفريقيا والدول العربية، بدأت فيه بالكاميرون، وساهمت في إحداث مهرجانات سينمائية في سلطنة عمان، وإن شاء الله سأحدث مهرجانات أخرى في السعودية قريبا، كما أنني أشتغل على التربية من خلال الصورة، وإدراج السينما في المدارس والمعاهد والجامعات التونسية، حتى نعود لسابق عهدنا حين كان لدينا نادي سينما للأطفال والشباب في الجامعات والمدارس، وسأسعى لكي تكون هناك برمجة للأفلام بصفة مستمرة طيلة السنة، وهذا مشروعي الكبير الذي أسميته «الفصول الأربعة: الطفل والسينما والشباب»، وبإذن الله سأتوصل لإنجاز ولو جزء منه في السنتين المقبلتين، ولما لا في الأربع سنوات المقبلة.
انتخابي كعضو في مجلس إدارة المركز الدولي لأفلام الأطفال والشباب يعني لي الكثير، لأنني بعدما يقارب 24 سنة عمل على الطفولة من خلال أكثر من 12 فيلم، آخرهم فيلم ڨدحة وفيلم حدود الله، أظن أن هذا اعتراف بالعمل الذي قمت به، وبإذن الله سأواصل المسيرة، وسأحاول تطوير عملي وأُحْدِثُ دار السينما في تونس للأطفال، ويصبح لديهم ميزانية خاصة من وزارة الثقافة من أجل إنتاج وبرمجة أفلام خاصة بهم، حتى لا يتابع أطفالنا أفلاما خاصة بالكبار تلوثهم بأشياء لاتهمهم.
أعود لأقول أن انتخابي هو أكبر تتويج لـ20 سنة من مسيرتى، كنت توجت في 2016 بالجائزة الوطنية لحقوق الطفل من طرف الرئاسة في تونس من خلال فيلمي «صباط العيد»، ليأتيني التتويج الثاني عالميًا باختياري عضو في مجلس إدارة المركز الدولي لأفلام الأطفال والشباب، وهذا لا يمكن إلا أن يشرفني ويشرف التونسيون والعرب والأفارقة.


🎙️حدثنا عن مهام المركز وأهميته في تطوير سينما الطفل والشباب التونسي والعربي بصفة عامة؟


• أنيس الأسود: عمر المركز أو المنظمة أكثر من 18 سنة، حيث تأسست في كندا وانتقل مقرها إلى العديد من دول العالم، هذه السنة حطت رحالها في مدينة أثينا بعد تبنيها من طرف مركز السينما والصورة في أثينا والبرلمان الأوروبي، ويعتبر هذا حدث في حد ذاته بالنسبة لأوروبا ودخول هذه المنظمة التابعة لليونيسكو لأراضيها.
من أهم الأعمال التي تقوم بها هذه المنظمة هو نشر سينما الطفل وخلق شبكة لتوزيع أفلام الأطفال والشباب عبر العالم. وما يهمني أنا من خلال انضمامي لمجلس إدارتها هو تطوير السينما الموجهة للأطفال في تونس والدول العربية وإفريقيا، وعندي مشروع كبير لذلك، وقد بدأت في تنفيذه فعلا في الكاميرون وبالتحديد في مدينة ياوندي في محاولة مني لتطوير المشاريع السينمائية الخاصة بالطفل هناك، وبالفعل قمنا بتصوير 3 أفلام قصيرة في أول مرحلة، وسنصور 4 أفلام هذه المرة، كما ستكون لنا دورة ثالثة آخر السنة الجارية، وهي دورة ستكون موجهة لشمال إفريقيا (تونس، الجزائر، وغيرها من الدول …)، سنعلن عنها عبر صفحتي وعبر صفحة الجمعية التي أعمل معها، وهذا يسعدني ويشرفني كذلك.
في نفس الوقت أنا أشتغل على أول مهرجان إفريقي لسينما الأطفال والشباب في إفريقيا جنوب الصحراء، فمن غير الطبيعي عدم وجود مهرجانات تهتم بالأطفال والصورة الموجهة للطفل حتى تجعله يعيش فترات طفولته براحة ومتعة في جميع مراحل حياته، وهذا مهم جدا.
أنا أيضا أشتغل على مشروع آخر في إفريقيا، وهو أن يقوم الأطفال بتصوير أفلامهم بأنفسهم، وهو مشروع كبير وتحدٍ سنحاول القيام به مستقبلا إن شاء الله بدعم من اليونيسكو.
كذلك كنت على رأس المركز الدولي لأفلام الأطفال والشباب في مهرجان الطفولة والشباب في مدينة سوسة التونسية، وهو أقدم مهرجان في إفريقيا والدول العربية، عمره 33 سنة تقريبا، كان قد توقف للعديد من السنوات، لكنه عاد هذه السنة، لكنني لن أكون على رأس المهرجان هذه المرة بسبب انشغالي بأفلامي والتزاماتي داخل المنظمة، ولدي عدة انشغالات خارج تونس، الشيء الذي يجعلني أتنقل كثيرا على السعودية وسلطنة عمان ودول أخرى لإنشاء مهرجانات موجهة للأطفال والشباب، وقد بدأت العمل فعلا في سلطنة عمان ونحن نحضر لمهرجان الطفل والأم الذي أسسناه منذ ثلاث سنوات، وهذه السنة سنحتفل بالسنة الرابعة له، إن شاء الله نصل لأن نؤسس مهرجان آخر في السعودية والدول العربية الأخرى، ولما لا في الجزائر، أنا مستعد لأن أتفق مع مركز السينما والصورة في الجزائر على هذا المشروع المهم، ووضع الحجر الأساس لمهرجان سينمائي خاص بالطفل في الجزائر تموله مؤسسة أو جمعية أو حتى الوزارة، وهذا مهم جدا بأن يكون لأطفال وشباب الجزائر مهرجان خاص بهم.
كما أنني من هذا المنبر أشجع على إنتاج أفلام سينمائية خاصة بالأطفال في المغرب العربي الكبير، وإدراج السينما في التعليم، وهذا أكبر تحدي سأسعى لتحقيقه، وسأشتغل عليه مع وزارة التربية والتعليم في كل دولة، فاليوم أصبحت الصورة في متناول كل طفل من خلال الهواتف الذكية واللوحات الإلكترونية وأجهزة الحاسوب، والطفل أصبح مهدد لأن لديه علاقة مباشرة مع شبكة الأنترنيت المفتوحة على مصرعيها، فالتربية من خلال الصورة أصبحت ضرورة ملحة ومهمة جدا، ويجب أن نتوصل نحن كعرب وأفارقة إلى كل ما توصلت إليه الدول الأخرى، فهم يدرسون أطفالهم السينما منذ 40 سنة، وهذا ما يقلقني وأردت أن يصل إليه دولنا، لأننا متأخرين جدا في توعية أطفالنا من خلال إنتاج أفلام تبرز المبادىء والقيم الصحيحة التي تحميهم من الغزو الغربي لتفكيرهم، وهذا أكبر خطر، لأن الصورة هي سلاح المستقبل، فإذا لم يتعلم أطفالنا وشبابنا استعمال هذا السلاح، فلن يستطيعوا مقاومة ما يبث من عند الغرب، وهذا خطر كبير يهدد أبناءنا خصوصا مع دخول تقنية الذكاء الإصطناعي.


🎙️ لو طلبت منك أن تعطي توصيات من أجل تطوير السينما في تونس، فماهي التوصيات التي تنصح بها؟


• أنيس الأسود: الأمور واضحة ولا تحتاج إلى شرح. أنا أعتقد إعتقاد جازم أن تطوير السينما في تونس يجب يكون على مراحل، فلا نستطيع تغيير الوضع دفعة واحدة ونقنع مجلس النواب بحقوق المؤلف وإعطاءحقوق المخرجين والناس التي تعمل في هذا المجال، وفرض ضرائب من الصورة.
المشروع الكبير الذي أطمح إليه هو تمويل السينما من خلال السينما نفسها، وهذا ما لمسته في توزيعي لأفلامي، فقط لاحظت أن هناك أموال تجنى من خلال عرضها، هذا بإمكانياتي البسيطة فقط، فكيف إذا كانت هذه الأفلام توزع بطريقة محترفة وبإمكانيات أكبر، كنت سأتحصل على مداخيل كبيرة تخول لي إنتاج أفلامي المستقبلية دون الحاجة إلى دعم.
لكن حسب ظني أن تمويل السينما بالسينما في الظروف الراهنة التي تعيشها تونس لا نستطيع تطبيقها، فالوضع الحالي وفي غياب التذكرة الموحدة لا يمكننا تحديد العائد المالي التي تدره الأفلام عند عرضها في القاعات. وهنا أفتح قوس لأتحدث عن التجربة السينمائية الفرنسية، فالنظام الفرنسي الذي أطلقه رجل الثورة ديغول، حيث سن قانون في فرنسا لتمويل السينما الفرنسية، لأنه رأى أن في الصورة قوة لمواجهة المستقبل، ولإعطاء صورة مشرقة لفرنسا التي نراها اليوم كقوة عظمى في جميع المجالات من خلال الصورة، والتي أرادها واستشرف بها ديغول آنذاك حتى يواجه غزو السينما الأمريكية، لأنه شعر بخطرها في احتلال الشعوب في ثقافتهم، فقام بإحداث ضريبة على الأفلام الأجنبية وخاصة الأمريكية التي تعرض في القاعات الفرنسية، حيث فرض نسبة 13.5 بالمئة من عائدات الفيلم لصبهم في مركز السينما والصورة الفرنسي، وهذه النسبة تذهب لتنمية السينما الفرنسية في انتاج الأفلام واستحداث الأستوديوهات والقاعات ….



حتى الأفلام الفرنسية التي تعرض في القاعات، تفرض عليها نفس نسبة الضرائب تذهب لدعم المنتجين أنفسهم، مثلا أنا لو أنتجت فيلم بمليون دينار، أستفيد من 135 ألف دينار تعود لي كدعم من أجل إنتاج فيلمي القادم، وهذا الذي شجع السينمائيون الفرنسيون لإنتاج أفلام أخرى، وخلق ديناميكية في الإنتاج الفرنسي الذي وصل إلى إنتاج حوالي 500 فيلم في السنة، وصنعوا من خلالها أبطال ونجوم وصناعة حقيقية. ليس هذا فقط بل فرضت فرنسا على القنوات التلفزيونية المساهمة في الإنتاج السينمائي مثل قناة «كنال +» و «أم 6» وغيرها، كما أسسوا مهرجانات سينمائية كبرى مثل مهرجان كان، وهذا كله خلق ديناميكية كبيرة وأموال كبيرة من الصورة، بما في ذلك السينما التجارية التي كانت كممول لسينما المؤلف والسينما بصفة عامة. فإذا أردنا أن نخلق صناعة سينمائية حقيقية في تونس، ونعطي صورة مشرقة لها، لأننا نملك الإمكانيات لذلك، فالشباب المكون سينمائيا في تونس موجود، والمدارس التي تكون موجودة كذلك، يجب علينا خلق ضريبة لمداخيل السينما التجارية والسينما العالمية التي تعرض في قاعاتنا السينمائية، بهذا يمكن أن تتطور السينما عندنا وتجعل العجلة تدور إن صح التعبير، وتكون قنواتنا التلفزيونية فضاء لعرض أعمالنا الكبيرة والأفلام المتوجة في المهرجانات العالمية التي لديها صيت تجاري ونجوم لامعة في سماء السينما التونسية.

كما قلت، أظن أن الحل الوحيد هو تمويل السينما من خلال السينما والتلفزيون، يبقى المشكل في الإدارة التي يجب أن تقوم بدورها، بأن تخلق البوكس أوفيس والتذكرة الموحدة حتى تكون مراقب لمداخيل السينما التونسية وحتى يفرض مركز السينما والصورة الضريبة بشكل واضح وقانوني، هكذا فقط يمكن تمويل السينما وتنظيم مهرجانات كبيرة وصناعة نجوم.
بالإضافة للإدارة السلبية، هناك أيضا جمعية حقوق المؤلف التي تأسست منذ 20 سنة، العاجزة عن تقديم أي شيء من أجل تطوير السينما التونسية، حيث اقتصرت على تنظيم الندوات، لأن بداية تأسيسها كان خطأ، فهي مشروع سياسي وليس مشروع منبثق من طرف أهل السينما، فمديرها معين من الوزارة وليس منتخب من طرف أهل المجال، فلو كان ابن المجال لدافع بطريقة شرسة ومحكمة، ولخلق مشاريع لتغيير الوضع حتى يأخذ كل ذي حق حقه، ولخلق ديناميكية إقتصادية سينمائية في تونس التي تمنح أموال وأرباح كبيرة للخزينة وتخلق الكثير من اليد العاملة، وهذا الذي لاحظناه في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، فبعد وزارة الدفاع التي تملأ الخزينة الأمريكية بأموال كبيرة وهذا في بيع السلاح، لاحظنا أن المصدر الثاني لجني الأموال هي ولاية هوليوود السينمائية، هذا حتى نعرف قيمة صناعة السينما وأرباحها الضخمة، إذ تعتبر مخزن للأموال التي تضخ الدولارات بطريقة كبيرة، وتخلق صورة الأمريكي البطل الذي لا يقهر، لأن الصورة هي مستقبل العالم.


🎙️هل أنت مع جرأة الطرح في السينما التونسية والتطرق للطابوهات كظاهرة الشذوذ الجنسي وظاهرة البيدوفيليا وغيرها من المواضيع؟


• أنيس الأسود: السينما لن تكون إلا حرة، لكن وفق أخلاقيات ومتطلبات المجتمع، فمواضيعها كموضوع الشذوذ الجنسي الرجالي أو النسائي، والبيدوفيليا، وغيرها من المواضيع الصعبة والجريئة في مجتمعاتنا يمكن طرحها في أفلامنا، لكن لا يجب أن تكون قاعدة أو الأساس في كل أعمالنا السينمائية. السينما هي طريقة لحرية التعبير ويمكن طرح فيها كل المواضيع، الحساسة منها والعادية، الحرية التي يحاول من خلالها المخرج الوصول للمشاهد وطرح فكرته مهما كانت موضوعها.
حسب رأيي، يجب أن يكون الفيلم السينمائي جريء وصادق وصريح حتى يصل للمتلقي ببساطة وسلاسة، مهما كان موضوع هذا الفيلم، لكن كما ذكرت سابقا لا يجب تكون هذه المواضيع الجريئة هي الصفة الغالبة على كل أفلامنا، فهناك مواضيع أعمق وأكثر أهمية منها. فأنا ضد الرقابة على السينما لكن مع تحديد السن العمري لكل فيلم، فهناك أفلام فوق 10 سنوات، وأخرى فوق 15 و18 سنة، وهكذا، فلكل فيلم مشاهديه، لأن لجنة الرقابة تجاوزها الزمن في تونس، وقد طرح هذا الموضوع كثيرا وحاولوا إرجاعها، لكننا عارضناه بشدة، وطالبنا بلجنة أخرى وهي لجنة تحديد السن العمري لمشاهدة الأفلام. هذه اللجنة التي تقوم بتحديد السن العمري حسب قيم المجتمع، فماهو مسموح في مجتمع ما غير مسموح به في مجتمع آخر.
وبالتالي لا رقابة على الأفلام السينمائية مهما كانت جرأة مواضيعها، فالسينما تطرح الطابوهات والمشاكل وما يجري في الغرف المظلمة لكن بلغة راقية بدون شتم أو سب، والسينما هي حرية مئة بالمئة وبدون قيود، لكن لديها أخلاقيات تضبطها.


🎙️ هل أنت مع مصطلح السينما النظيفة الخالية من القبل والمشاهد الساخنة، لأننا ما نراه في السينما الحديثة هو استخدام هذه المشاهد من أجل التسويق للعمل السينمائي، وكأن هذه المشاهد مفروضة فرض في السينما؟



• أنيس الأسود: والله الأخ سمير، المشاهد الساخنة والقبل لم أشاهدها منذ مدة في فيلم تونسي أو فيلم جزائري أو فيلم مغربي، كانت هناك سابقا بعض القبل والمشاهد الساخنة في السينما التونسية لكنها لم تعد موجودة الآن كليا، ما يقلقني أنا شخصيا الكلام الفاحش والبذيء في الأفلام أكثر من مشاهد الجنس، الذي أصبح يستعمل بكثرة وبجرأة كبيرة وبعدم دراية بالتوليفة السينمائية، رغم هذا أنا لست ضده، لأنني ضد الرقابة في الأفلام حتى لو كانت تحتوي على مشاهد الجنس والقبل، وأنا أتذكر أننا كنا نتابع السينما المصرية ونشاهد الفنانات في مشاهد تبادل قبل، لكن لا أحد إتهمهن بالفجور، لأن الناس تفرق بين السينما والواقع، حتى السينما التونسية معروفة بمشاهد الحمام مثل أفلام المخرج كريم بوزيد وأفلام كريم بوغدير، لأن السينما لابد أن تكون فيها جرأة فهي ليست تلفزيون، لكن السينما لها سن عمري محدد، فكل فيلم من أفلامها مخصص لفئة معينة من الجماهير، مثل فيلم «حالفة وين» الذي يعتبر من أجمل الأفلام التونسية ويحتوي على مشاهد جرئية ويروي موضوع معين، لكن فيه تحديد السن العمري للمشاهدة.

بالنسبة لي مصطلح السينما النطيفة ليس لديه أي معنى، فقاموس السينما لا يحتوي على مصطلح المواعظ، لأن السينما يجب أن تكون فيها جرأة في الطرح والتصوير، لكن كل مجتمع يقوم بتكييفها حسب مبادئه وقيمه فيما يخص مشاهد القبل والمشاهد الساخنة. أتذكر فيلم في السينما الإيرانية تحصل على السعفة الذهبية وهو للمخرج عباس كروستاني، الفيلم احتوى على مشاهد في الحب لكنها مصورة بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي تصور بها عند الغرب، لأن المجتمع الإيراني له خصوصيته، وهذا ما جعل اللغة السينمائية في العالم تتطور من خلال السينما الإيرانية، وهذا يؤكد أن مصطلح السينما النظيفة لا محل لها من الإعراب إن صح التعبير، فكل ثقافة لها حدود في جرأة أفلامها، ولها سن عمري لكل فيلم، لأن كل فيلم لديه جمهوره الذي يجب احترامه.
تحديد السن العمري الذي لازلنا لم نراه في تلفزيوناتنا وفي أفلامنا السينمائية، رغم وجود لجنة في تونس بتحديد السن العمري لكل فيلم، لكن لا تجد ذلك يطبق على أرض الواقع فنجد أطفال يتابعون أفلام الكبار التي تحتوي على مشاهد ساخنة وكلام بذيء، لأن أصحاب القاعات والموزعين لا يهتمون ولا يحترمون الجمهور، وهمهم الوحيد جمع الأموال خارج الأطر القانونية بدون تذاكر وبدون مراعاة لأي مسؤولية.


🎙️ هل وصل مستوى الأعمال السينمائية التونسية إلى درجة منافسة السينما العالمية؟


• أنيس الأسود: أكيد، وهذا كان موجود منذ الثمانينات مع المخرج النوري بوزيد والمخرج عبد اللطيف بن عمر وموجة المخرجين والمنتجين أمثال المنتج حميد بن عطية ولطفي لعيوني ونجيب عياد، وغيرهم. تونس ولادة وخرج منها مخرجين من أعلى طراز إن صح التعبير. أنا أؤمن كثيرا وتعجبني سينما النوري بوزيد الذي أعتبره من أهم المخرجين في المغرب العربي، لأنه كان يتناول المواضيع بجرأة ولديه رؤية سينمائية، ويعتبر النوري بوزيد مدرسة كبيرة للأجيال الحالية والأجيال القادمة في تونس.
أرجع لسؤالك لأقول أن السينما التونسية منافسة للسينما العالمية وهذا شيء مؤكد لا غبار عليه، فاليوم وبفضل المدارس السينمائية المنتشرة بكثرة في تونس، والتي تعمل على تكوين المخرجين والممثلين الشباب الجديد الذين حملوا راية السينما عاليا، فأصبحت أفلامنا موجودة في كل المهرجانات العالمية، وتنافس وتفوز وتتوج بالمراتب الأولى، وهذا بفضل أبناء القطاع من تقنيين وفنانين ومخرجين محترفين الذين أصبحوا يشتغلون ومطلوبين في مختلف أنحاء العالم.
وإذا عندنا للتاريخ، نجد أن السينما التونسية بدأت منذ سنة 1985 و1986 مع فيلم «ريح السد» الذي أعتبره الإنطلاقة الفعلية لسينمانا في الموجة الجديدة، وما نراه اليوم ماهو إلا امتداد لذلك الجيل الذهبي الذي أسس لمعالم السينما عندنا، وكذلك الفضل يعود للمدارس التكوينية المنتشرة في تونس حاليا والتي فتحت أبوابها منذ ما يقارب 70 سنة، والتي تخرج منها معظم الفنانين التونسيين الذين انطلقوا إلى العالمية.
أظن أن السينما التونسية في نوعية طرحها وتناولها للمواضيع هي سينما عالمية بدون منازع، رغم كل هذا لا أستطيع أن نقول أننا لدينا صناعة سينمائية، بسبب جشع الموزعين وأصحاب القاعات وغياب البوكس أوفيس لمعرفة إيرادات الأفلام الحقيقية، وأظن أن سعر التذاكر في الفترة الأخيرة ارتفع من 16 دينار تونسي إلى 25 دينار، أي بزيادة 9 دنانير، والقاعات مكتظة بالجماهير، لكن كل تلك الأموال لا نعرف مصيرها، لذا يجب توضيح الأمور، وهذا لا يكون إلا بتنظيم القطاع، لأننا يجب أن ننظر للسينما على أنها صناعة قادرة على تحريك الإقتصاد التونسي مثلها مثل أي مجال اقتصادي آخر.
أقول في آخر إجابتي عن هذا السؤال أن السينما الجزائرية بألف خير رغم كل ما يحدث في دهاليزها المظلمة، فهي موجودة في كل المسابقات العالمية وتفتك الجوائز.


🎙️نريد من أنيس أن يفتح لنا قلبه، ويبوح لنا بسر لا يعرفه جمهوره أو حتى المقربين منه، ويخبرنا بسكوب حصري لصفحتنا؟ فماهو السر، وماهو السكوب الذي تخصصه لصفحتنا؟


• أنيس الأسود: السر الذي سأبوح به لك، هو أنني قمت بتصوير مجموعة من الأفلام الوثائقية التي صورتها بالمملكة العربية السعودية، والتي سترى النور إن شاء الله في النصف الثاني من هذه السنة، وهذا محاولة مني لتطوير إنتاجاتي والخروج بأفلامي للعالمية، كما سأبوح لك بسكوب وهو تصويري لفيلم جديد، والذي سأصوّره قريبا بين السعودية وفرنسا.


🎙️ماهي مشاريع أنيس الأسود المستقبلية؟


• أنيس الأسود:لدي ثلاثة مشاريع وهي:
هناك فيلم طويل يحمل عنوان«طريق جميلة» تحصل على دعم على كتابته في مهرجان تيطوان، ونحن الآن في مرحلة التفكير ونبحث عن الدعم لتصويره وإنجازه.
هناك أيضا شريط وثائقي سنبدأ تصويره في النصف الثاني من هذه السنة بحول الله.
وهناك كذلك شريط قصير يحمل عنوان «أمي» تحصل على دعم من وزارة الثقافة التونسية، وهو مشروع للأطفال والكبار كذلك، وهو تجربة خاصة لأننا سنصوره بالدمى والعرائس المتحركة، وسنبدأ في تصويره نهاية هذه السنة بحول الله.


🎙️المخرج المبدع التونسي أنيس الأسود تشرفت بمحاورتك، في الأخير أترك لك الكلمة، فقل ماشئت.



• أنيس الأسود: لابد للسينما التونسية أن تأخذ حقها ومكانتها التي تستحقها، لأن مجهودات أبنائها ونضالهم من جيل النوري بوزيد وفاضل جعايبي وعبد اللطيف بن عمار، وغيرهم من المخرجين والممثلين والتقنيين لن تذهب في مهب الريح، فما نراه اليوم من جيل جديد العاشق للسينما باستطاعته رفع راية السينما التونسية عاليا، فبعضهم صار عالميا ومحترفا ويشتغل في السعودية وقطر والجزائر، وفي كل مكان في العالم، لذا يجب مسايرة هذا النجاح ورفع العقم الإداري، فالصناعة السينمائية لا تستطيع أن تنطلق في تونس بدون الصرامة في تنظيم القطاع، لغاية هذه اللحظة لازال مركز السينما والصورة في تونس ينظم المهرجانات فقط، وكان الأجدر بهم هو تطوير السينما والبحث عن موارد أخرى لتمويلها، وأظن أن الخلاص يمكن في فرض التذكرة الإلكترونية الموحدة التي ستعمل كحارس بوابة لإيرادات الأفلام الضخمة، وهكذا نستطيع تمويل أفلامنا التونسية بأموال تونسية دون حاجتنا للممول الأجنبي الذي يفرض علينا شروطه، وبذلك نخلق إقتصاد سينمائي حقيقي وصناعة سينمائية رائدة، وهذا هو دورنا نحن من أجل تفعيل كل ما ينفع القطاع السينمائي ويحثه على الإزدهار والتطور.

أنا متفائل بهذا الجيل وأظن أنه سيقتلع كل المسامير التي ستعترض في طريقه لخلق سينما متطورة ورائدة في تونس، أنا متفائل بغد أفضل بحول الله.
شكرًا لكم.

كمال فليج

إعلامي جزائري / نائب رئيس مجلس ادارة صحيفة الآن الإلكترونية مستشار إداري / نائب رئيس التحرير / نائب رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى