قصائد و مقالات

هل نجحت المظاهرات والاعتصامات في الوطن العـــربي؟

✍️ هلال بن عبدالله العبري :

في العقد الماضي، اجتاحت موجات من المظاهرات والاعتصامات دولاً عربية عدة تحت ما سُمي بـ”الربيع العربي”، حيث خرج الملايين إلى الشوارع مطالبين بالتغيير السياسي والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد. لكن وبعد مرور سنوات على تلك التحركات. يمكننا طرح تساؤلاً جوهرياً: هل نجحت هذه الثورات في تحقيق أهدافها، أم أنها أفضت إلى نتائج عكسية؟

من وجهة نظر واقعية، يمكن القول إن معظم الدول التي شهدت موجات احتجاجية واسعة لم تحقق الاستقرار المنشود، بل إن بعضها دخل في دوامات من الصراعات الداخلية والإنهيار الاقتصادي والمؤسسي. فدول مثل ليبيا وسوريا والسودان وحتى اليمن تحولت إلى ساحات نزاع مسلح، وفقدت الكثير من مقومات الدولة الحديثة من أمن واقتصاد وخدمات؛ مما أثار تساؤلات عميقة حول جدوى تلك الثورات في ظل غياب البديل القوي والمنظم.

أضف إلى ذلك أن الدول العربية الأخرى التي سقطت فيها الأنظمة وتم استبدالها بأخرى، أتضح بأنها ليست أفضل حالاً، بل ربما أسوء؛ ما أدى إلى تراجع مستويات المعيشة وتدهور البنية التحتية وفقدان الثقة في العملية السياسية برمتها. هذا الواقع أفرز حالة من الإحباط لدى كثير من الشعوب العربية، التي باتت ترى أن المظاهرات العشوائية قد لا تكون الأداة الأنسب لتحقيق التغيير في بيئة سياسية معقدة كالعالم العربي.

وعند النظر إلى دولة مثل سلطنة عُمان، نجد مثالاً مختلفاً. فالسلطنة تميزت بسياسة متزنة، استطاعت أن تحقق الأمن والإستقرار بعيداً عن دوامات الفوضى؛ إلا أن الأصوات المُطالبة بالإصلاح والتغيير ومزيداً من الحقوق تُسمع من حين إلى آخر، ولكن يجب أن يعي الشباب العماني ضرورة أن تكون تلك المطالبات والوقفات بشكل منظم وليس عبر الفوضى والتخريب، وبشكل يعكس الفهم العميق لخصوصية الواقع العماني ولمناخ السياسة العربية، الذي قد لا يتناسب مع نموذج المظاهرات الصاخبة التي رأيناها في دول أخرى، أو اللجوء إلــى المطالبة الهادفة والمباشرة عبر القنوات التي تتوفر فيها شيئا من حرية إبداء الــرأي.

و على شباب الوطن العربي أن يدركوا مصالح أوطانهم جيدًا، ويُحسنوا تحديد أولوياتهم ومطالبهم بما يحقق توازنًا بين مصالح الشعب ومصالح وإمكانيات الحكومات دون الإضرار باستقرار الدولة، أو فتح المجال أمام المغرضين لاستغلال الاحتجاجات والمظاهرات لتغيير أهدافها وقلب نتائجها. فالوعي الوطني والحرص على سلمية المطالب هو الطريق الأمثل لتحقيق الإصلاح دون زعزعة الأوطان.

بناءً عليه، يمكن القول إن أسلوب الحوار والوقفات السلمية والمطالبات المنظمة هو الأنسب في السياق العربي، خاصة في الدول التي ما زالت تحافظ على استقرارها وتوازنها. فالتغيير لا يعني بالضرورة الفوضى، بل قد يبدأ بخطوات محسوبة ومدروسة تضمن استمرارية الدولة وتحقيق مصالح الشعوب على المدى البعيد، وعلى الدولة الالتفات إلـى تحسين المستويات المعيشية والاجتماعية لشعوبها، بما يتناسب مع التغيرات العالمية، وأن تعمل على إنشاء برلمانات شعبية حقيقية ومفتوحة، تُمكّن مختلف شرائح المجتمع من إيصال أصواتهم ومطالبهم إلى الحكومة بطريقة فعّالة.

فمثل هذه البرلمانات تُعدّ وسيلة لإمتصاص الغضب والإحتقان الشعبي؛ إذ تتيح للمواطنين مساحة كافية للتعبير عن آرائهم ومطالبهم بحرية، وتُسهم في تعزيز الشفافية، وترسيخ مبدأ المشاركة المجتمعية في صناعة القرار .

عبدالله الحائطي

المشرف العام و رئيس التحرير لصحيفة الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى