هل التقاعد نهاية المطاف

✍️ عبدالرحمن المزيني ( كاتب صحفي ومذيع تلفزيوني ) :
هذا السؤال يطرح نفسه على الموظف، فجأة دون أن يشعر أن سنوات العمل والخدمة في الوظيفة العامة قد قضمت اجمل سنين عمره وهو مواظب على عمله ولا يشعر بذلك طالما وهو مشغول بالترقي في السلم الوظيفي من منصب الى آخر هكذا حتى يصبح صاحب مركز مرموق ومهم جدا يشار اليه بالبنان وربما اصبح من أصحاب الجاه والسلطان، ويأمر ويؤتمر لمن هو أعلى منه حتى يصبح علما من اعلام المجتمع وينطبق عليه المثل القائل ( كل ذي نعمة محسود ).. وممن ؟ من أقاربه وزملائه بالعمل، إلا المحبين الذين يتمنون له الخير فهم وحدهم يفرحون له بكل نجاح يحرزه، هذا في جانب .
وهناك اشخاص يفتح الله عليهم ويتدرجون في السلم الوظيفي حتى يصلوا الى اعلى المراتب دون ان يشعروا بأن تلك الوظيفة قد قضمت زهرة شبابهم، وسنين أعمارهم، وفجأة وفي غفلة من الزمن، ينتبه الموظف الذي نسي نفسه وفجأة ايقظه نظام العمل وسلم الوظيفة، انه قد بلغ اعلى مرتبة يسمح بها نظام العمل، وانه قد آن الأوان ان يترجل هذا الفارس عن فرسه، حسبما تقتضي لوائح العمل والموظفين .
وبعد ان يواجه هذه الحقيقة الواقعية تصعب عليه نفسه، ان يجرد هكذا من وظيفته ويلتحق بطابور المحالين على التقاعد ويصبح في نظر المجتمع يحمل اسما جديدا، ينقسم الى جزئين وهو كالتالي :
مت-قاعد وهو ما اصبح بعض زملائه به والمعنى لمن دقق بشطري الكلمة مؤلم جدا ويصاب من يسمعه او يقرأه بالإحباط والكأبة !!
ولا شك ان بعض زملاء العمل، وبعض من هم حوله، لديهم مرض الشماته، داخل انفسهم المريضة، ويسعون دوما لتحطيم زملائهم الذين تنتهي خدمتهم بالتقاعد، بدلا من مواساتهم، يتكلم هؤلاء بعبارات ثقيلة فيها من السماجة والسخرية الكثير.
وفي جانب آخر أكد امام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس حيث وجه رسالة الى المتقاعدين قال فيها :
«قد زادت مسؤولياتكم بعد أن كان النِّطاق الحكومي يُحَدِّدها في مجال اختصاصكم وعملكم فقط، أما اليوم فأمامكم الفُرَص والدنيا بأسرها، والأعمالُ كلها، والميادين جميعها، فمسؤوليتكم ليست عن أُسَركم أو حيِّكم أو مدينتكم فقط، بل أنتم مسؤولون عن كلِّ مسلم بالتوجيه والنصح والإرشاد والتوعية، ولقد أَحسن وأجاد من قال: «لا تقاعُدَ لمن أراد أن يعيش في أمَّة جديرة بالحضارة والتقدُّم».
وأضاف: «أيها المترجلون عن صهوة جواد الدوام النظامي؛ إنَّ أعماركم رؤوس أموالكم، ورصيدكم الذي ينفعكم في الدنيا والآخرة، فاغتنموها بالأعمال الصالحة قبل فواتها، وكما أن الإنسان مسؤولٌ عن عمره، فهو أيضًا مسؤولٌ عن عِلْمِهِ وخِبْرَتِهِ، فينقل خِبْرَتَهُ للأجيال اللاحقة، ولا يبخل عليهم بالرأي والمشورة، والتوجيه والنصيحة). ومن هذا نستنتج، ان التقاعد محطة لانهاية، والمتقاعدون خبرات ومعارف طويلة، ممكن ان تكون قيمة في العديد من المجالات، ومااجمل ان يستفاد من خبراتهم، في دعم البرامج الوطنية والمجتمعية، وتطوير القدرات البشرية ومنحهم بعض الاعمال المهام، تفعيلا لدور الشراكة المجتمعية، للإستفادة من خبراتهم، وإشعارهم بقيمتهم، ومااجمل ان يجمع بين حماس وتطلعات الشباب وخبرات الكبار.
للتواصل مع الكاتب:[email protected]