الثقافية

العنكبوت مجموعة قصصية للقاص أكرم الزعبي٠٠ ( صورة جانبية للحياة) ٠

سليم النجار :

يقدم لنا أكرم الزعبي تجربة جديدة في القص في مسار القصة القصيرة في الاردن، من خلال مجموعته القصصية التي حملت عنوان ” العنكبوت” الصادرة عن وزارة الثقافة العام ٢٠١٥ ٠

كشفت قصص العنكبوت للزعبي عن اشتغالاتها في تشكيل الصور والتمثيلات حول الواقع والأنا والآخرين، كما تُضىء مستوى أسهامها في تثبيت الجسور الإنسانية على قاعدة الاختلاف الذي يُؤمنُ بالتعددية، أو تقويضها بما يلغي الأختلاف، ويؤسّسُ للتماثل الذي يحتفي بالشبيه ويُمجُدُهُ، ويكره المختلف ويسعى للتخلص منه٠

فهو تصور ينزّل الاشتغال على الإنتاجات السردية والثقافية في بعديها الفردي والجماعي في حيز التحليل النفسي والأنثربولوجيا لأنهما معنيان بالتفكير في الإنسان ككائن سردي وفي قدرته على إنتاج الذاكرة الإجتماعية في سيرورات من التذويب كما نقرأ في قصة” محبّة” ( أنا بائع الكلمات الذي يقول عنه الكثيرون إنّه مشعوذٌ دجّال يبعُ الوهم والخديعة، لكن الحقيقة غير ذلك ص٢٥)٠

فالقصة هي في الأول والنهاية سرديات كبرى حول نشأة العالم تبلور تمثيلات وبأشكال سردية مختلفة لمختلف ألوان الصراع والمواقف الاجتماعية كما تعكس علاقة معينة بالزمان وبالواقع لذلك فهذا التشعب الذي بات يطبع الكثير من القصص، وفي علاقاتها بسلسلة من الظواهر النفسية والثقافية وبأنماط التملك في الاستبعاد للخطاب القصصي حول الواقع كما هو موجود في قصة” إيناشا” ( أسأسلك طريق التعبيرعن هذه الاشياء بابسط الكلمات وأسهلها لسببين، أولهما أنّ مساحة الكتابة محدودة، وثانيها لظّني أن قبري سيُنبش يوما ما ص٣٣)٠

لعل صورة القبر ما هي إلا صورة تجلت في سؤال الحضارة الذي جاء على شكل ، من نحن ومن الآخر؟ كأنه مسار متعرج لإشكالية متحورة عندما نعمل مقاربة مع الغرب الأكثر تطورًا منّا، فجاءة فكرة النبش في القصة كأنها محاولة لقراءة العقل العربي عند عمل مقاربته ييسشهد بالماضي، كأجابة على الحاضر٠

كما وظف القاص أشكال تعبيرية متعددة في قصته” العنكبوت” السيرة الذاتية للقص، وبلورة خطاب مركب الذي يلامس اليومي العابر، ويغوص في أعماق النفس، مستكشفا تجاربها واحلامها،( دعوتها للخروج فوفقتْ صامته بعد أن تناولت حقيبة يدها، اخذتُ يدها بعيد، ص٤١)، نجد السيرة الذاتية حاضرة بقوة، خاصة من جهة المتلفظ، وواقعية العناصر المكونة للمَحكَي من شخصيتين واحداث وإطار زمكاني٠

وهذا ما يمنح المشروعية للتساؤل عن الأدوار التي يحققها التعالق بين الملفوظينن: الافتراضي والسيرذاتي، في قصة ” الناموس” الذي يستوحي التخييل في إعادة بناء بطليها قصة، ذلك أن التأطير السردي لحياة بطل يظل خاضعا للبيئة الأيديولوجية التي تتخذ من الحياة موقفا،( نعم انا اتخيّلُ لسعات الهواء مثل إبرة حادةٍ تدخل أصابعي فأبتسم، لكن الإبر تتكاثر، تمتد إلى أصابع اليدين يبدو أن كتاب القراءة شيء يذكرني بضرورة تغطية الكفين أيضا ص٥٨)٠

إن كتابة القصة التي تسعى على استعادة التاريخ أو إعادة تملكها من حيث يتوارى فيها الكاتب/ السارد لصالح المتلفظ الواقعي الذي يجري ترهيبه من الحياة كشخصية داخل الحياة، حيث ينتج خطابا لا يكون قريبا من أجواء اللحظة القصصية كما فعل الزعبي في قصته” حياة” ،( يا للتعاسة! ثلاثون عاماً بدأتها شابةُ مكتملة) ويواصل سرد القصة بخاتمة كخاتمة الحياة( الآن كعجوز لا جدوى منها ص٧١)٠

ففي قصة” القلم”، هنالك دلالة تؤشر عليها العنوان ويفصح من خلالها عن محتوى المادة السردية في هذه القصة، تسعفنا على قراءة التراسل بين الكتابة القصصية والمتن الواقعي،( – غريزة حالةٌ داخليةٌ لإعادة الترتيب واتخاذ شكل جديد من الاحتجاج٠
-الخوف يدفعُ الاشياء لالتزام حدودها ٠
‐هو طريقُ النجاة٠
-هذه فلسفة جدلية محاولةٌ للهروب من حقيقة أن الخوف أساسُ النظام ص٧٦)٠
هذه الحوارات تفسر حياة القصة للقارئ كما لو انه داخل سياقات القص٠ ولذلك، فهي على الاقل لا تتميز بذلك الماضي الاستعاري- قياسا إلى مرجعيات فكرية بقدر ما يتم تأطير اليوم المعاش للإنسان بشكل حوار٠
قصص أكرم الزعبي ( العنكبوت)، ظلت أسيرة سردية التوتر والصدام، لذا إنها تشق مسارا مغايرا ومخلتفا٠

عبدالله الحائطي

المشرف العام و رئيس التحرير لصحيفة الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى