اغتيال السنونو

✍🏼 فاطمة العامري:
وقف على حافة الغصن، يُغرّد منفردًا، ويرفرف بجناحيه كراقصٍ وحيد في مسرح الريح.
لونه الأزرق اللامع زاد جماله، وخفته أضفت عليه سحرًا لا يُضاهى.
اعتاد الوحدة، والتغريد خارج السرب، مؤمنًا بأن في الاختلاف حياة، ومدركًا أن التحليق مع السرب ليس إلا ضجيجًا مزعجًا لا يُشبهه.
لكن ذلك لم يرقَ للبعض.
تجاوزوا حدودهم، وحيكوا له مكيدة.
إلا أن خفة السنونو وذكاءه الفطري أنقذاه، ففطن لخطرهم، وعرف ما دبّروه له.
فابتعد، وطار بعيدًا، وأقسم ألا يعود إلا في ربيعٍ قادم، لأمرين:
أولهما أن يعود أكثر تألقًا واتزانًا،
وثانيهما أن يهدّئ وطأة الكره الذي لا يدري ما سببه في صدورهم.
عاد السنونو في الربيع، يحمل لهفة اللقاء،
تاقت روحه للاقتراب من السرب، والتحليق معهم، فقد غلبه الشوق.
رحّب به بعضهم،
أما البعض الآخر — وهم ذات الفئة القديمة — لم يُحبّذوا عودته.
رغم ابتساماتهم، كان التجهم يسكن ملامحهم،
والتملّق يغلف كلماتهم، وإن أظهروا العكس.
وفي ليلةٍ ماطرة، هاجت فيها الرياح واشتدّت،
عزموا أمرهم، وشدّوا أزرهم،
وفكّوا قيود خوفهم، واجتمعوا على اغتياله.
هاجموه بهمجية، نزعوا ريشه،
وقطعوا رأسه، دون أن يمهلوه،
فاغتالوه سريعًا، غدرًا، دون رحمة.
لم يُصبح الصباح في ذلك اليوم،
بل اشتدت العاصفة، وزادت الرياح عتوًّا،
وكأن الطبيعة تثأر له.
حاولوا الهرب، لكن هيهات،
فلكل جريمة عقاب.
وكان عقابهم أن تُقطع أجنحتهم،
ويبقوا على الأرض،
منفيين من نعمة التحليق…
كما نفوه هو من حضن السرب ذات ربيع.