
✍️ أحلام أحمد بكري :
عند الغضب لا نحتاج لفنون الرد بل نحتاج ضبط النفس والصمت ، حتى تهدأ ثورة الغضب وتنطفئ شعلة العصبية ، بعدها تتضاءل العاطفة ، ليعود العقل إلى مكانه ، نستطيع بعدها أن نختار الرد العقلاني المنطقي ، لا الرد العاطفي..
فن الردّ من المهارات الحياتية المهمة التي تساعدنا على التعامل مع المواقف المختلفة بذكاء وحكمة ، خاصة في لحظات الغضب والعصبية ، عندما نكون في حالة غضب ، تكون العاطفة هي المسيطرة ، وقد نندفع لقول أو فعل أشياء نندم عليها لاحقاً ، لذلك فإن -ضبط النفس بالصمت-في هذه اللحظات هو الخطوة الأولى والأهم..
(الصمت) ، ليس ضعفاً بل قوة شخصية وحكمة عقل ، عندما نلتزم الصمت نعطي لأنفسنا فرصة لتهدئة المشاعر المتأججة ، ونمنح العقل فرصة للتفكير بعقلانية بدلاً من الاندفاع وراء ردود فعل عاطفية ، قد توقعنا في مواقف سيئة نحنُ في غنى عنها ، الصمت يوقف تصعيد الموقف ويقلل من احتمالية قول كلمات جارحة أو اتخاذ قرارات خاطئة ، قال ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». (رواه البخاري)..
الصمت فيه قوة وتأثير كبير على الفكر والحياة ، بعض الأمور تتجاوز الكلمات ويجب تركها للصمت وعدم الرد ، وهُنا أُشير إلى ما تم ذكره في قصة السيدة العذراء مريم ابنة عمران عند حملها بسيدنا عيسى عليهما السلام في سورة مريم ، قال تعالى : (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)،(26) ، هنا الأمر الإلهي من الله بعدم الكلام وإلتزام الصمت..
التفكير مهم جداً قبل الكلام وضرورة من أجل تجنب الكلام الفارغ ، الذي لا قيمة له ولا جدوى ، وقد يكون الصمت عقاب عند السؤال في شيء مؤكد ، وهُنا أذكر سيدنا زكريا عليه السلام عندما بشروه الملائكة بحمل زوجته ، بعدها مباشرة سأل الله آية ودليل وعلامة على البشارة يطمئن بها قلبه وليس هذا شك في خبر الله حاشاه ، فقال له الله سبحانه وتعالى في سورة ال عمران :﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ 41
وفي سورة مريم : (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) (10) منعه من الكلام مدة ثلاثة أيام ، وعجزه عنه من غير خرس ولا آفة ، بل كان سويا ، لا نقص فيه ، ومع هذا ممنوع من الكلام الذي يتعلق بالآدميين وخطابهم ، أما التسبيح والتهليل والذكر ليس ممنوع منه ولهذا قال في الآية: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ْ} العمران 41 , فاطمأن قلبه ، واستبشر بهذه البشارة العظيمة ، وامتثل لأمر الله له بالشكر بعبادته وذكره فعكف في محرابه..
يقول الفيلسوف سقراط:”إذا لم يكن لديك ما تقوله ، فالأفضل أن تصمت”..
الصمت أشد تأثيراً من الكلام ، خاصة عندما يُستخدم كوسيلة للتعبير عن الرفض أو اللامبالاة ، يقول الفيلسوف فريدريك نيتشه:”الصمت أسوأ أشكال النقد”..
وقد يكون الصمت وسيلة للوصول إلى الهدوء الروحي والتأمل العميق لفهم الذات يقول كاتبنا الكبير جلال الدين الرومي:”الصمت هو لغة الروح” يعتبر الرومي أن الصمت وسيلة للتواصل مع الذات والوصول إلى أعماق الروح ، كما يقول الفيلسوف بوذا :”الصمت هو صوت السلام الداخلي”..
بينما يرى الكاتب جان جاك روسو أن الصمت يعكس الحكمة والتفكير العميق وهو أسلوب يتخذه العقلاء في تعاملاتهم فيقول :”الصمت هو لغة الحكماء” ، ويضيف الفيلسوف أرسطو ويقارن بين الصمت والثرثرة فيقول: “الصمت علامة على القوة ، والثرثرة علامة على الضعف” فيربط أرسطو بين الصمت والقوة النفسية ، و يرى أن الكلام المفرط قد يعكس ضعفاً في التحكم بالنفس ، بينما يرى الكاتب ألبير كامو أن الصمت مصدر للأمان والثقة بعيداً عن خيبات الكلام والعلاقات الزائفة فيقول:”الصمت هو الصديق الوحيد الذي لن يخونك أبداً”..
بعد أن توغلنا في جمال الصمت علينا أن نتعلم (فن الرد) وهنا نطرح سؤال مهم جداً :كيف نختار الرد العقلاني؟
وسوف تكون الإجابة بعدة خطوات:
١- خذ وقتاً للتفكير قبل الرد ، خذ نفسًا عميقاً وامنح نفسك بضع لحظات لتهدئة أعصابك ، هذا الوقت القصير يمكن أن يغير مجرى الموقف تمامًا..
٢- اسأل نفسك ، ما الهدف من ردي؟ هل هو للدفاع عن نفسي؟ أم لحل المشكلة؟ أم لمجرد التفريغ عن الغضب؟
عندما تحدد هدفك ستكون أكثر قدرة على اختيار الكلمات المناسبة..
٣- استخدم لغة إيجابية حتى لو كنت غاضباً حاول أن تعبر عن مشاعرك بطريقة هادئة ومحترمة ، استخدم عبارات لائقة ولطيفة بدلاً من الاتهامات المباشرة..
٤- ابتعد عن الشخصنة: ركز على الموقف أو السلوك الذي أزعجك وليس على الشخص نفسه ، هذا يساعد على تقليل التوتر ويجعل الطرف الآخر أكثر استعداد للاستماع..
٥- اختر الوقت المناسب: أحياناً يكون تأجيل النقاش إلى وقت لاحق هو الحل الأمثل ، خاصة إذا كان الطرف الآخر أيضاً في حالة غضب انتظر حتى تهدأ الأجواء لتتمكن من مناقشة الأمور بشكل عقلاني..
٦- تعاطف مع الطرف الآخر: حاول أن تفهم سبب تصرف الطرف الآخر بهذه الطريقة ، التعاطف يساعد على تقليل حدة الموقف ويجعل الحوار أكثر إنتاجية..
عندما نتعلم أن نتحكم في مشاعرنا ونعطي الأولوية للعقل بدلاً من العاطفة ، نكون أكثر قدرة على التعامل مع المواقف الصعبة بفعالية وحكمة ، تذكر دائماً أن الرد العقلاني هو الذي يبني الجسور ، بينما الرد العاطفي قد يدمرها..