دين

وداع رمضان بتجديد النية والعمل الصالح

ياسر بن شلوه الشاماني

ها نحن نودع أيام رمضان المباركة، وقد اقترب رحيله ليترك في قلوبنا أثراً عميقاً من الروحانية والصفاء. ومع كل لحظة تمضي، نشعر بتقصيرنا في حق الله ونتمنى لو أن الأيام تطول لنعوض ما فاتنا. لكن رحمة الله أوسع من ذنوبنا، وما زالت الفرصة سانحة لنختم هذا الشهر المبارك بتوبة صادقة وأعمال صالحة ترضي الله عز وجل.

تجديد النية الصالحة

إن من أهم ما يمكن أن نفعله في وداع رمضان هو تجديد النية والإخلاص لله تعالى. فالمؤمن يجدد العهد مع الله، ويتعهد بالسير على طريق الطاعة حتى بعد انقضاء الشهر الفضيل. يقول النبي ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” (متفق عليه). فلتكن نياتنا صادقة في الاستمرار على الخير، وليكن وداعنا لرمضان بداية لطاعة دائمة لا تنقطع.

الاستمرار في الأعمال الصالحة

ليس رمضان هو موسم الطاعات فقط، بل هو مدرسة تعلمنا كيف نعيش حياة مليئة بالعبادة. لذلك، من المهم أن نحافظ على الأعمال الصالحة التي كنا نقوم بها في رمضان، مثل:
• الاستمرار في الصلاة والقيام: فلنجعل من صلاة التهجد والقيام عادة، ولو بركعات قليلة، فالنبي ﷺ كان يقوم الليل حتى خارج رمضان.
• قراءة القرآن والتدبر فيه: فلا يكون وداع رمضان نهاية لمجالس القرآن، بل بداية لتدبره والعمل به طيلة العام.
• الذكر والاستغفار: فالألسنة التي اعتادت على الذكر في رمضان يجب أن تواصل تسبيح الله واستغفاره في كل وقت.

الدعاء بقبول الأعمال

من أهم ما نحرص عليه في وداع رمضان هو الدعاء بأن يتقبل الله أعمالنا، فقبول العمل هو الغاية الكبرى. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا من العمل، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}” (المائدة: 27). فلنرفع أكف الضراعة إلى الله، ونسأله أن يتقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا، وأن يعفو عنا ويكتبنا من عتقائه من النار.

الرجوع إلى الله والتوبة الصادقة

وداع رمضان لا يكون إلا بتوبة صادقة، فالله سبحانه وتعالى يفرح بعباده التائبين. يجب أن نستغل هذه الأيام الأخيرة بمحاسبة أنفسنا وتجديد التوبة من الذنوب التي أثقلت قلوبنا. قال الله تعالى: “إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ” (الفرقان: 70). فلنسارع إلى الرجوع إلى الله، عازمين على الثبات على طاعته بعد رمضان.

الصدقة وزكاة الفطر

الصدقة في هذه الأيام من أعظم الأعمال، فهي تطهر النفس وتضاعف الأجر. وكان النبي ﷺ أجود الناس في رمضان، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: “كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان” (متفق عليه).

ومن أعظم الصدقات التي شرعت في نهاية رمضان زكاة الفطر، وهي واجبة على كل مسلم، تطهيرًا للصائم مما قد يكون وقع فيه من اللغو والرفث، وإدخالاً للفرح على الفقراء يوم العيد. وقد فرضها النبي ﷺ وقال: “أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم”.

الخاتمة

وداع رمضان ليس مجرد انتهاء أيام الصيام، بل هو لحظة محاسبة وتجديد للعهد مع الله. فلنجعل من هذه الأيام الأخيرة فرصة لتوديع رمضان بأعمال تقربنا إلى الله، بدعاء أن يتقبل منا، وبتوبة صادقة، وبإخراج زكاة الفطر والصدقات، حتى نغادر هذا الشهر وقد غُفرت ذنوبنا وكُتبنا من العتقاء من النار. نسأل الله أن يختم لنا هذا الشهر بالمغفرة والقبول، وأن يرزقنا الاستقامة بعد رمضان، وأن يجعلنا من عباده الصالحين.

كمال فليج

إعلامي جزائري / نائب رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى