شعر وأدب

انثى تشبهني مجموعة قصصية – للقاصة نهلة الشقران٠ (الماضي لا يأتي)

✍️ سليم النجار :

يشكل الهوى مصدر تفاعلات الإنسان الوجودية، والبوصلة التي تتحكم في أفعاله وسلوكه ومواقفه لهذا العالم، وقد لقى اهتماما خاصا في الفلسفة، وشغل حيزا كبيرا في الفكر الإنساني، إذ قوبل( الهوى) بالعقل والفلسفة القديمة، فكلما ارتبط بسلوكيات إنسانية يعود إلى العقل والتمييز والمنطق وكل ما يحتوي على الانسجام والمعقولية المقبولة للمجتمع أو لنقل التوافق، أما الهوى فشيء آخر ارتبط بكل ما هو مناقض إلى القيم المتعارف عليها مثل: العشق والجنون والموت والتمرد على قيم المجتمع٠ ومنه يتضح أن الهوى كان أسير أحكام وتأويلات أخلاقية لا يمكن ملامسته أو معرفة طبيعته الإنسانية مما يفضي بنا إلى سؤال ” الهوى” في القص، واذا ما قُلنا الهوى في الثقافة العربية ينزع للتحريم والذم والتحذير، بينما في الإبداع القصصي اخذ منحى مختلف نوعاً ما كما تناولته القاصة نهلة الشقران في مجموعتها القصصية ” انثى تشبهني” الصادرة عن دار الآن ناشرون- عمان- ٢٠١٥ ٠
أننا أمام قص يبحث خلف الذات في أثناء السرد، أي تفكيك الهوية داخل السلسة الخطابية، وترجمة للبعد الهووي الذي جاء بمنزلة تركيب وقانون ذاتي لبناء الخطاب القصصي، فما الأسس الإبيستمولوجية التي قامت عليها سيميائيات الأهواء؟ يمكن القول أن الشقران لجات إلى الصورة الدرامية، ذات البعد الشكيلي للوحة سريالية جمعت بين الصورة المتخيلة واللوحة التشكيلية كما نقرأ في قصتها” خفايا صوت”( أنظر إلى فمها، فأجدها كمن اصيب بتخمة منقطعة النظير، تفتحه ببطء شديد كتمساح مثقل بحمل أسرار البحار، اخشاه ويقصدني٠٠ اركض الهث ينقطع صوتي فأصحو ص٦٠)٠
غني عن القول أن السيميائيات منذ نشأتها قامت على التمثيل لشكل المعنى، وهذا ما تم توظيفه في قصة” زيت وزعتر”( ثم أسندت ظهري برفق، بينما بدأت الطالبات بنقل ما في السبورة ص٢١)٠
لقد تميزت نهلة الشقران في قصتها ” انثى تشبهني” بدقة التصوير للحالة النفسية والإحاطة الشاملة بها، وقد تنوعت صورها أثناء سردها،( ممنيّة النفس بعودة قريبة أقتنِصُها بصبحة أنثى تشبهني، لكنها من ورق ص٣٦)٠
تختزن فلسفة الصورة الأيديولوجية دلالات ومعاني عديدة، حتى يكاد من الصعب القبض على جميعها مفاهيميَّا، ونظرا لتغير المزاج للشخصية القصصية التي وظفتها الشقران في قصتها” وَجْه كمعطف”، والتي جاءت عبر الشعر، وطرحت إشكالية هامة كيفية ربط الشخصية مع عنوان المجموعة القصصية” انثى تشبنهي” وهي علاقة جدلية اي إنها في أعنف تجلياتها( مزاجية) هنا يبرز سؤال: هل أرادت القول ام الأيديولوجيا مزاجية في رؤيتها وحكمها؟ الإجابة متروكة للمتلقي٠ وفي جميع الأحوال القصة تحمل في طياتها بُعدًا فلسفياً،( أما حمزة فما زال يحلم، ويقتني الداووين، ويُنْشد الشعر، ويرتدي معطفاً خفيفاًص٤٦)٠
يمكن القول ايضاً أن الأيديولوجيا تعمل على توظيف رؤيتها للأشياء المنظورة وغير المنظورة لمنظومة مفاهيمها، وانماط خطابها في سياقات اجتماعية، وعادة يكون المكان عنصرًا هاماً في هذا التوظيف، وهذا ما نلحظه في قصة” وأصبح له غيري” ( غادرت المكان الذي يجمعنا ثلاثتنا، فقد أصبح له غيري ص٦٧)٠
استطاعت الشقران في قصتها ” ظل من رماد” توصيل مفهوم للمتلقي صورة جديدة للسلطة على اعتبارها اجتماعية وثقافية، تميل للعنف لفرض دلالات بوصفها مشروعة، من خلال إخفاء علاقات القوة التي تقوم عليها قوتها، قوتها الخاصة : اي قوتها الرمزية الخالصة إلى علاقات القوة تلك، التي زاوجتها بين القصيدة التي شكلت رمزًا والخريف الذي جاء على شكل رمز، وما بينهما تكمن عناصر القوة،( لن تحيا القصيدة ولن يكون خريفي ملاذًكَ من التعب ص٧٣)٠

من أهم ما جاءت به القاصة نهلة الشقران في مجموعتها القصصية ” انثى تشبني” إنها تخلصت من السردايات الحداثية الكبرى كالوظيفة البنائية، وتبني تصورًا خاصاً قائما بذاته، أي يقرأ المتلقي تاريخ اليوم كحدث لا زمن بعينه٠ كما وظفت دلالات التلاعب للمشاعر في رسم شخصياتها القصصية، بالفعل ” انثى تشبهني” كحدث يشبه فعلها القصصي٠

الحايطي

المشرف العام بجريدة " الآن " رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى