شعر وأدب

أدب المقاومة عند الإسلاميين بين الأمس واليوم

اتكاءات الخميس

✍️ إبراهيم شقلاوي :

كتب الزميل عبد الماجد عبد الحميد رئيس تحرير صحيفة ” مصادر” المعروف بانتمائه إلى التيار الإسلامي، عقب الإفطار الذي نظمه طلاب وخريجو جامعة أم درمان الإسلامية، أول أمس، كلمات تحمل بين سطورها ملامح تجربة ممتدة وعقيدة راسخة. علق على إنشاد تم تداوله في تلك المناسبة تقول كلماته :
انهضوا لبوا يا يا شبابنا هموا شهيدنا الطاهر ضحى بدمو
مختار دا دليلنا وصافى النية ويوم الحارة عزيمتو قوية
مخلص وصادق فروضو علية بصدق ايمانو يساوى سرية.
“يا الله.. هذه قصيدة تقتات من ذكرى الذين عبروا إلى الخلود عبر قوافل الصادقين.. الأوفياء.. فضل المرجى وعبد القادر علي وعبيد ختم ونزارخوجلي.. عندما عبر هؤلاء إلى الضفة الأخرى، لم يكن كثير ممن ينشدون اليوم هذه الأنشودة قد خرجوا إلى الحياة، كانوا في رحم الغيب.. وها هم اليوم يرددونها بمشاعر وتجارب عاشوها بأنفسهم في ساحات النزال والمواجهة.. شكراً عميقاً لطلاب وخريجي جامعة أم درمان الإسلامية الذين ظلوا أوفياء لقوافل الشهداء.. هذه أمة لن تموت”.

هذه الكلمات التي خطّها عبد الماجد لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق التاريخي والثقافي الذي أنبت ظاهرة “أدب المقاومة” عند الإسلاميين في السودان. إذ تفتح أمامنا بابًا واسعًا لتحليل تطور هذا الأدب، الذي مثّل انعكاسًا حيًّا للتجربة الإسلامية في لحظاتها الأكثر تحديًا، وأداةً لتعبئة الطاقات وصياغة الوجدان الجمعي وقت الأزمات.

فمنذ بواكير العمل الإسلامي في السودان، بدأ واضحًا أن التيار الإسلامي لم يقتصر نشاطه على الجوانب الدعوية أو السياسية، بل صاغ لنفسه خطابًا ثقافيًا خاصًا، كان أدب المقاومة أحد أبرز تمظهراته. وتجلّت هذه الحالة بشكل لافت خلال حرب الجنوب السودان 1983، حيث تصدّر طلاب الجامعات المنتمون إلى التيار الإسلامي صفوف القتال في العام 1993 ، استجابةً لنداء الوطن في وجه تمرد جون قرنق، الذي كان مدعومًا آنذاك من قوى إقليمية ودولية متعددة.

ولم تكن قصائد مثل “أرض اللحاق” و”عندما نودي قومي للجهاد” و”نجمة الأسحار” “لظلام الليل معني” مجرد أناشيد تُردد على عجل، بل كانت نصوصًا تعبوية ذات طابع عقائدي، تزاوج بين قيم الفداء والذود عن الأرض، وتستحضر الرمزية الدينية للتضحية. وقد برع شعراء المقاومة من أمثال عبد السلام سليمان وأمين حسن عمر و عبد القادر علي وجعفر ميرغني في رسم معالم هذا الأدب، الذي شكّل وجدان جيل كامل آنذاك.

اليوم بعد مضي عقود، تعود ذات الروح لكن بملامح متجددة في سياق مختلف، مع اندلاع الحرب التي يخوضها الجيش السوداني ضد مليشيا الدعم السريع ومن يقف خلفها من داعمين محليين وإقليميين منذ 15 أبريل 2023. هذه الحرب التي سرعان ما تحولت إلى معركة وجودية، أعادت ترتيب أولويات القوى الوطنية، وفي مقدمتهم شباب التيار الإسلامي.

ما إن وجّه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، نداءه للقادرين على حمل السلاح للدفاع عن السودان، حتى وجد شباب الإسلاميين أنفسهم أمام مشهد يشبه ذلك الذي واجه آباءهم فكريًا وعقائديًا. لكن اللافت أن هذه الاستجابة لم تكن مقصورة على الإسلاميين وحدهم، بل شهدت التفافًا واسعًا من مختلف أطياف الشباب السوداني، بما فيهم من هم في المهاجر، ما يؤكد أن أدبيات المقاومة القديمة استطاعت أن تتجدد وتتكيف مع مقتضيات اللحظة الراهنة.

في خضم التعبئة الوطنية، عاد أدب الإسلاميين، ممزوجًا بالجلالات العسكرية ورايات الغناء الوطني، ليؤدي دورًا مركزيًا في شحذ الهمم وإذكاء جذوة المعركة. غير أن ما يميز هذا الأدب اليوم هو اتساع مداه، حيث لم يعد مجرد خطاب داخلي للتيار الإسلامي، بل أصبح جزءً من المشهد الوطني الأوسع، مؤطرًا بوجدان جمعي يرى في الدفاع عن السودان واجبًا مقدسًا تتداخل فيه قيم الدين والوطن، وتجتمع تحته كافة الانتماءات.

لعلنا هنا أمام تحوّل لافت، إذ انتقل أدب المقاومة الإسلامي من خانة “الأناشيد الخاصة” إلى أفق “الأناشيد الجامعة”، مكرسًا بذلك نهجًا جديدًا يجعل من الأدب أداة استراتيجية، تتجاوز الشعارات إلى إعادة هندسة الوعي الوطني في أوقات الشدة والتحديات.

ختاماً : إنه أدب مقاومة يتجاوز الشعر إلى الفعل، ويتجاوز الانتماء الحزبي إلى مشروع أمة. أرجو أن ندرك ذلك. حتي نحافظ علي هذا الوطن ونعمل علي توحيده دون إقصاء أو استعلاء، فالمشروع الوطني الجامع هو مسؤولية هذا الجيل الجديد به يتحقق الأمن ويستعاد السلام للسودانيين.
الخميس 20/ مارس 2025 م [email protected]m

الحايطي

المشرف العام بجريدة " الآن " رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى