القصة الكاملة لاقتراب الجيش من تحرير القصر

" وجه الحقيقه "

✍️ إبراهيم شقلاوي :

تشهد العمليات العسكرية في العاصمة الخرطوم تطورًا لافتًا مع اقتراب الجيش من حسم معركة القصر الجمهوري، الذي يمثل رمزية الدولة السودانية ومركز ثقل سيادتها السياسية. هذا التقدم لم يكن وليد حركة عسكرية مفاجئة، بل هو نتاج لعملية استراتيجية ممنهجة اتسمت بالدقة والتدرج، حيث تبنت قيادة القوات المسلحة السودانية خطة حصار محكمة، ارتكزت على ما يمكن وصفه باستراتيجية الكماشة، التي ضيقت الخناق على مليشيا الدعم السريع من مختلف الاتجاهات، ميدانيًا ونفسيًا، فقطعت عنها الإمداد فانهكت قدرتها على الصمود والمناورة.

في نهاية سبتمبر 2024، بدأت القوات المسلحة تنفيذ عملية هجومية متدرجة، اعتمدت على تطويق العدو عبر محاور متعددة، مستخدمة جسور العاصمة كخطوط عبور رئيسية لنقل المعركة إلى قلب الخرطوم. العبور من جسر الحلفايا مكن قوات الجيش القادمة من كرري ومن حطاب من فك الحصار عن بحري وتأمين سلاح الإشارة، فيما مثلت سيطرة قوات المهندسين والمدرعات على جسر الإنقاذ نقطة ارتكاز مهمة للتحرك نحو المقرن، مما منح الجيش موطئ قدم استراتيجي داخل الخرطوم. وعلى ذات الإيقاع، عبرت قوات الجيش القادمة من النيل الأبيض باتجاه جبل أولياء، مستكملة إغلاق الطوق حول المليشيا المتحصنة في قاعدة النجومي والصالحة.

تطورات العمليات أخذت زخمًا متصاعدًا منذ فجر السادس والعشرين من سبتمبر، حين نفذت القوات المسلحة عملية متزامنة عُرفت بمعركة العبور، تمكنت خلالها من اختراق الدفاعات وتثبيت سيطرتها في بحري والخرطوم على حد سواء، وهو ما أربك حسابات مليشيا الدعم السريع وأفقدها تماسك خطوطها. بحلول الرابع والعشرين من يناير 2025، كان الجيش قد أحكم سيطرته على بحري، وحرر مصفاة الجيلي للبترول وفك الحصار عن سلاح الإشارة والقيادة العامة للجيش بالكامل، ما مهد لمرحلة الحسم التي أعلن عن بدايتها رئيس هيئة الأركان الفريق أول محمد عثمان الحسين، مشددًا حينها أن ما تحقق من انتصارات ليس سوى نقطة الانطلاق نحو المرحلة الأهم والتي سماها بكسر العظم.

ومع توالي العمليات، كان لافتًا التقدم المضطرد للقوات المسلحة نحو مواقع حيوية داخل الخرطوم، حيث تم استرداد مناطق استراتيجية مثل ابراج الرواد و ميدان جاكسون وموقف شروني ، نادي الأسرة حتي شارع كاترينا شرقا ورئاسة شرطة المطافئ، فيما مثل استعادة أبراج النيلين وكبري المسلمية مؤشرًا على تفكك الحصار المفروض من المليشيا حول قلب العاصمة. جاءت هذه التحركات متزامنة مع ما وصفه القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بـ”شرك أم زيردو”، وهي عملية محكمة حاصرت العدو من أربعة اتجاهات، عبر تحرك القوات من حطاب، كرري والمقرن وسوبا وصولًا إلى تطويق المليشيا في آخر معاقلها بجنوب الخرطوم وشرق النيل التي خرجت منها المليشيا تجرجر ازيال الهزيمة.

تقدم الجيش بلغ ذروته حين وصلت القوات إلى محيط القصر الجمهوري، بعد أن أحكمت سيطرتها على شارع النيل وجسر المك نمر ووضعت يدها على كل المداخل والمخارج المؤدية للقصر، مما جعل القوات المتحصنة داخله معزولة تمامًا عن أي دعم خارجي. ومن جهة أخرى، قطع الجيش طرق الإمداد القادمة من العيلفون وسوبا بتأمين جسر المنشية، حيث باتت فلول المليشيا تحت كماشة أربع جيوش، الأمر الذي جعل انهيار قدراتها القتالية أمرًا محتمًا.

منذ الأمس شهدت اشتداد المعارك في محيط القصر، وبدء عمليات نوعية على مستوى المسافة صفر، حيث نفذت القوات المسلحة عمليات اقتحام دقيقة، مستغلة التفوق الجوي والمدفعي، والقوات الخاصة مما أضعف خطوط الدفاع الأخيرة للمليشيا وأجبرها على الانسحاب جنوبًا نحو جبل أولياء. ومع استمرار هذا التقدم، أصبح إعلان تحرير القصر الجمهوري مسألة وقت، إذ أن الانهيار الكامل لمليشيا الدعم السريع في قلب الخرطوم بات وشيكًا، ويُتوقع أن يعقب ذلك استعادة السيطرة على الوزارات السيادية والمؤسسات الحيوية تباعًا.

القراءة السياسية لهذا التقدم الميداني تبرز أن ما تحقق لا يمثل مجرد نصر عسكري تقليدي، بل يعكس أيضًا صمودًا مؤسسيًا لدولة تسعى لاستعادة هيبتها وسيادتها في مواجهة محاولة فرض أمر واقع بالقوة عبر انقلاب مدعوم إقليميا ودوليا لاختطاف البلاد. الجيش السوداني بما يحمله من عقيدة وطنية راسخة، جسّد خلال هذه المعركة إرادة شعبه، متحركًا بثبات نحو تثبيت الاستقرار وإغلاق صفحة الفوضى التي حاولت مليشيا الدعم السريع تكريسها.

بإعلان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبد الله، أمس عن التحام فرسان المدرعات بأبطال الصمود في محيط القيادة العامة بعد تطهير مستشفى الشعب التعليمي من مليشيا الدعم السريع. هذا الحدث يمثل أكثر من مجرد تطور ميداني؛ فهو شهادة يثبت بها الجيش أن النصر ليس مجرد عمليات حربية، بل هو استعادة للكرامة والسيادة الوطنية التي حاولت المليشيا وداعميها المحلين و الإقليميين العبث بها. إن رسالته اليوم هي أن الجيش السوداني، بعزمه الراسخ وإيمانه القوي، يقترب من لحظة تاريخية ستفتح الباب لمرحلة جديدة من الاستقرار، عنوانها السيادة الوطنية والكرامة والأمن لهذا الشعب.. هذا مايبدو عليه الواقع علي الأرض انه و#جه_ الحقيقية .
دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 18 مارس 2025 م [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى