د. أحمد علي سليمان يلقي محاضرة عن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة والدور الحضاري لأمهات المسلمين لطالبات معاهد دار النجاح بجاكرتا
تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة
تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة د. أحمد علي سليمان يلقي محاضرة عن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة والدور الحضاري لأمهات المسلمين لطالبات معاهد دار النجاح بجاكرتا
ألقى فضيلة الدكتور أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومدير اعتماد التعليم الأزهري بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، محاضرة عامة لطالبات السنة السادسة (الثالثة الثانوية) بتربية المعلمين بدار النجاح في جاكرتا، إندونيسيا، وللمعلمات مساء يوم الجمعة 7 رمضان 1446هـ / 7 مارس 2025م، حيث تزامنت مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وتناولت المحاضرة عدة موضوعات:
مكانة المرأة في الإسلام وصور من رحمة النبي بها:
استهل الدكتور سليمان المحاضرة بالتأكيد على أن الإسلام كرَّم المرأة وأعلى من شأنها، ومنحها حقوقها كاملة في جميع مراحل حياتها، سواء كابنة، أو زوجة، أو أم، أو أخت أو حفيدة، أو أي امرأة في المجتمع.
وأكد سليمان أنَّ الرسول (ﷺ) جاء رحمة مُهداة للإنسان والحيوان والنبات وحتى الجماد، وقد أوصي بالرحمة بالبنات والنساء والرفق بهن؛ فقد بشَّر بعهدٍ جديد يُكرِّم المرأة، وينهي ممارسات الجاهلية التي كانت تُلحق الأذى بالبنت والمرأة، سواء بالقتل، أو الإهمال، أو غير ذلك من صور الظلم.
ففي العصر الجاهلي، كانت البنات تُعدّ عبئًا يُتخلَّص منه، بل كانت بعض المجتمعات تُقدم على وأدهن -أي قتلهن أحياء- ظلمًا وعدوانًا، فجاء الإسلام ورسوله العظيم (رحمة الله للعالمين) ليُغيِّر هذه المفاهيم، ويُعلن أن المرأة أمانةٌ من الله ونعمةٌ عظيمة، يجب الحفاظ عليها وصيانهتا وإكرامها.
وقد حرَّم النبي (ﷺ) كلَّ ما يُلحق الأذى بالبنات، وأوصى برعايتهن ومعاملتهن بالرحمة والاحترام، مؤكدًا أن من رزقه الله بنتًا فأحسن إليها، كان ذلك سببًا في البركة ودخول الجنة. وجاءت هذه التعاليم النبوية لتصحيح المفاهيم الاجتماعية، وجعل حقوق النساء واحترامهن جزءا مهما من تعاليم الإسلام.
ويُشير مصطلح “وأد البنات” إلى تلك العادة الجاهلية القاسية، حيث كانت بعض القبائل تقدم على قتل البنات خوفًا من العار أو الفقر. فجاء الإسلام رحمةً من الله تعالى، فحرَّم قتل البنات، وأمر بحمايتهن ورعايتهن، مؤكِّدًا أنهن نعمةٌ عظيمة ومصدر للخير والبركة في الدنيا والآخرة. وقد شكَّل هذا التحريم تحولًا جذريًّا في المفاهيم السائدة آنذاك، ورسَّخ مبدأ الاعتراف الكامل بحقوق المرأة وتقدير مكانتها.
قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (سورة النحل: 58-59).
ولقد كان النبيُّ (ﷺ) مِثالًا في تواضعه، ورحمتِه، وبِرّه، وعطفِه، ووفائه، وعدلِه مع زوجاتِه وأهلِ بيته. لقد توغَّلَ النبيُّ في فهمِ شخصية المرأة وفي أعماقِها الرقيقة.. يُناجيها بدفء العاطفة، ويُعينُها على العمل لدينِها ودنياها؛ فاستطاعتِ المرأةُ بتَوجيهاتِه الجليلةِ أن تُصلحَ ما بينها وبين ربها، فأصلحَ اللهُ أمرَ دينها ودنياها. وتؤكدُ السيدةُ عائشة (رضي الله عنها) هذه المعاني بقولها: “ما ضرَبَ رسولُ اللهِ (ﷺ) بيدِه شيئًا قطُّ إلَّا أنْ يُجاهِدَ في سبيلِ اللهِ، وما ضرَب امرأةً قطُّ ولا خادمًا له قطُّ” (أخرجه ابن حبان في سننه).. وكان (ﷺ) يوصي بالنساءِ خيرًا، فيقول: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ لأهلِي) (أخرجه الترمذي في سننه). لقد كان النبيُّ زوجًا، وأخًا، وأبًا، وصديقًا لكلِّ زوجاته، وكان يقابلُ إساءتهنَّ بالإحسان، ويحثُّ أتباعَه والمسلمين مِن بعده على الرِّفق بهن، وورَدَ أنَّ النبيَّ (ﷺ) كان في سفَرٍ، وكان غُلامٌ يُقالُ له أنجَشَةُ يَحدو بهنَّ (أي يسوق الإبل وهو يغني لها ليحثها على السير والسرعة)، فقال له النبيُّ (ﷺ): (رُوَيدَك يا أنجَشَةُ سَوقَك بالقَواريرِ) (أخرجه البخاري في صحيحه)، والمعنى: رفقًا بالقوارير، فما أعظمَ هذا التَّعبير النَّبوي الراقي، وما أبلغَه! حيث شبَّه النساءَ في رقَّتِهنَّ وخِلقَتِهن بالزُّجاج الرَّقيق، في إشارةٍ منه إلى ضرورة مُعاملتِهنَّ بالرِّفق واللين وبالراحة والرحمة. كان يَحنو على زوجاتِه أيَّما حُنُو، ويرحمهنَّ أيَّما رحمة!، ويخفِّف آلامهنَّ وهُمومهنَّ وأتْعابهنَّ، ويُعلِّمهنَّ ويساعدهنَّ في شتَّى الأعمال.. ولم يدَّخرْ وسْعًا في ذلك.
وهكذا، حمل رسول الله (ﷺ) إلى البشرية رسالة العدل والرحمة، فألغى الظلم والممارسات الجائرة، وأكَّد أن لكل بنتٍ حقَّها في الحياة والكرامة، وهو ما يُجسِّد أحد أسمى مقاصد الشريعة الإسلامية.
وأوضح “سليمان” أن المرأة المسلمة كانت دائمًا ركيزة أساسية في نهضة الأمة، وأسهمت عبر العصور في مجالات: العلم، والدعوة، والتربية، والسياسة، والإدارة، وغيرها.
الدور الحضاري لأمهات المؤمنين.. نماذج مشرقة في خدمة الإسلام:
سلط الدكتور أحمد علي سليمان الضوء على الدور الريادي والحضاري لأمهات المؤمنين، وخص بالذكر ثلاث شخصيات عظيمة كان لهن أثر بالغ في نصرة الإسلام ونشر تعاليمه:
-
السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها): كانت أول من آمن بسيدنا محمد (ﷺ)، ووقفت بجانبه في أصعب مراحل الدعوة. قدمت كل ما تملك من مال وجهد لدعم رسالة الإسلام، وكانت مصدر الطمأنينة والدعم النفسي للنبي (ﷺ)، حتى قال عنها: (إني رزقت حبها). كما كانت نموذجًا للمرأة المسلمة في الحكمة والوفاء والتضحية.
-
السيدة عائشة بنت أبي بكر (رضي الله عنها): كانت من أكثر نساء المسلمين علمًا وفقهًا، وروت عن النبي (ﷺ) كثيرا من الأحاديث التي شكلت أساسًا مهمًا للفقه الإسلامي. وأدت دورًا بارزًا في نشر السنة وتعليم الأجيال، حتى قيل إنها كانت مرجعًا لكبار الصحابة في الفتوى، مما يعكس مكانة المرأة في التعليم والتوجيه.
-
السيدة أم سلمة (رضي الله عنها): عُرفت برجاحة عقلها وحكمتها، وكانت صاحبة المشورة التي غيرت مجرى الأحداث في صلح الحديبية، عندما أشارت على النبي (ﷺ) بحل الإحرام، فكان لرأيها أثر كبير في تهدئة الصحابة وقبولهم للاتفاق. كما كانت من المحدثات الفقيهات اللاتي أثرين العلوم الإسلامية.
تفعيل دور المرأة المسلمة في العصر الحاضر:
أكد الدكتور أحمد علي سليمان على ضرورة استلهام الدروس من سير أمهات المؤمنين لتفعيل دور المرأة المسلمة في مجتمعاتنا اليوم، خاصة في مجالات التربية والتعليم والتهذيب.
وشدد على أن المرأة المسلمة تستطيع أن تكون عنصرًا فاعلًا في بناء الأجيال، ونشر القيم الإسلامية، وتعزيز الاستقرار الأسري والمجتمعي.
وقال: من الحقائق التي نؤمن بها، ويجب أن نسعى لترسيخها:
-
أنَّ بناء المرأة بناء سليمًا في عصر شديد التعقيد، وتشكيل وعيها وتأهيلها؛ يُعدُّ بناء للمجتمع وتشكيل وعيه السليم.
-
وأنَّ تمكين المرأة -لاسيما تربويًّا وإعلاميًّا وثقافيًّا؛ تمكين للأسرة وتأمين للنشء والشباب.
-
وأنَّ تحصين المرأة؛ يُعدُّ تحصينًا للنشء والأسرة وتحصين لشتى أفرادها.