قطة وإمام مسجد
" من كتاب هجوم الغربان "

✍️ محمد إبراهيم الشقيفي :
ارهبنى هذا المشهد العفوي الذي أخرج مشاعر الجوارح عن نطاق السيطرة إنها دقائق معدودة ومؤثرة لإمام يتلو فى بث مباشر كلام الله وهو تحت مظلة الورع وعلى الكتف اليمني تصعد نفس طوافة فى سكينة من غير فزع لتقبل رأس هذا القارئ .
ما سر هذا الجمال الذي ادمع القلب و جعل الروح تبلغ مآرب اليسر بعد شدة العسر لقد شاهد العالم فى أنحاء المعمورة عن طريق الصدفة الصادقة بترتيب الأقدار المانحة لنا السلام هذا الموقف الذي تقشعر له الأبدان وهو يعرض فى موقف مهيب بضع من بعض مكارم الأخلاق
يالها من لقطة مثيرة قد لفتة انتباه البشر الغافلين عن كثير من القيم .
إن الأذن الوسطى لديها رغبة ملحة إلى سماع تأويل من غير تهويل وتفسير واضح بلا تضليل لهذا الموقف الذي يشبه أعجوبة أحلام اليقظة الغريبة.
لقد أجتهد البعض وقال العارف منهم بالله محدثاً ببراعة يتفوه بها أهل لغة الضاد أنها إشارة ذو مرجعية من قبل السماء تحمل رسالة تخاطب وجدان العقل الملحد لكى يشعر بشىء مادي يدرك من خلاله باطن الرحمة .
إنها عبرة لمن يعتبر حين يتجسد لنا حيوان غير ناطق بلغتنا الأم يخشع مع إنسان شاكر لنعم الله وهو يتعبد فى الصلاة و بالقطع نعم نحن لا نفقه هذا التسبيح تلكموا الأصوات الصادرة فى نظم عجيب لا يعلم كيفية ولا دلالته إلا من أتقن وأبدع فى صنع كل شىء.
نشاهد مواقف تثبت العقيدة ليست مجرد طرائف للتسلية أو فقرة فنية من باب المرح إنها عظة على أرض الواقع تستوطن لب الأذهان تظل راسخة فى مفاهيم الوجدان حتى يأتي فصل الخريف و تتساقط أوراق النهاية من شجرة الحياة ثم يفنى بعدها ذكر الإنسان .
القطة التى تقتحم محراب المسجد فى صلاة التراويح بمكان وزمان معلوم تتوسط واقفة على صدر الإمام الباكي الذى رزقه الله الخشوع وجعل بين جنبيه الخضوع لينال منزلة التقوى والورع أمام أعين الدنيا.
أنظر إلى هذه القطة التى بلغت منزلاً من العزة تجد لها صورة أشبه بحال المصلين وهى تقف خلف ظهره الإمام ثم تقترب رويداً و تلتف ببطء شديد من حوله تصعد فى هدوء حذر من غير خوف على ظهر جسده القائم وهى تعلم علم اليقين أنه ينطق لفظ الجلالة و يكلم الله لم تخف تلك القطة البيضاء وهى فى محراب معية رب الأرض والسماء لم يشغلها بطش أحد و استقبلت فى فرح عين من يأم المصلين تلك الهرة الصغيرة وهو ينظر إلى موضع السجود ثم بدأت تقبل وجهه تنظر إلى عيون تذرف الخشوع تقف بين كتفيه كأنها تعيش حالة من الإستقرار النفسي تصافح بها السلام الداخلي . عجيبة الطمأنينة النابعة من طيف هذا الشيخ الذى يعي الحقيقة كاملة يعرف أنها من جند الله الطاهر ويدرك أنها طوافة تمضى بين الخلائق تقف خلفه و تكمل صفه الأول لتكن هذه الهرة شاهدة عليه وهو واقف على الصراط يوم الحشر العظيم والشمس تدنو فوق الرؤوس .
ما أجمل صوته العذب فى تلاوته يرق لها القلب وما أروع لحظة اصطفاف المصلين خلف ظلال روحانيات الذكر الحكيم و قرأة خاشعة مؤثرة بصوت أجش وصورة لم يكن لها نظير من إخراج رباني لا يضاهي حلاوته شىء إنه لأمر جلل يخاطب أولو الألباب أفلا يتدبرون القول .
القطة تلتف حول عباءة الإمام وهو قائم يصلي بجماعة لكن المبهر الاستمرارية دون نفور لم يخرجه الوساوس عن ثباته فى أثناء صلاته بل وضع القطة برفق ولين بين أحضانه لم يلتفت إلى شىء آخر و أكمل صلاته وكأنه يطمئن بها وتطمئن به يسكن داخل فؤاده أمر عظيم و بعينه فرح أتى إليه من بعيد زفت إليه البشرى على يد هرة تسبح بحمد الخالق يتحسس منها الشيخ بعض أساليب الذكر من غير تعجل لكنه يشعر ولا يدرك تلك اللغة . القلب ينفطر لهذا التصرف الذي تقشعر له الأبدان و زوايا المسجد فى سكون تام يركع الإمام يحمد ويشكر البشر يصطف لكن يزيد عليهم فى عدد العباد دابة تأكل من ثمار الأرض إن الهرة تتحدث بلغة لا يفهمها إلا ذويها لا ندركها ولا نعرف حتى معانيها لكنها رسالة السماء جاءت مؤيدة لنصرة الحق .
إن الكل يسبح بإسم الله يدخل تحت دائرة الأمان وهو يسمع تلاوة القرآن لكن فجأة يظهر فارس على الساحة مخلوق غير بشرى لا يحدث ضجيجاً لأحد إلا أنه قد بادر وبشكل مفاجئ وبدأ يقبل وجه الشيخ ورأس هذا الإمام الكل فى ملكوت البارى يعبد الله الخالق يتعبد فى اعتكاف و يتضرع بالدعاء.
لقد شاهدت وتأثرت و تمنيت أن أكون خلف هذا الإمام الذى أتاه الله من فضله الحكمة والثبات وأبدع فى العشر قراءات لم يتأثر إلا بكل خير ارتعدت فرائس القلب الطاهر من حلاوة عرس الإيمان وازيد فى التمني أن أشاهد لحظات الصفاء التي تتجلى فيها الفتوحات ويظهر بين الثنايا فيض عطر العطايا. حشاك أن تخطئ تعلم كيف يكون الأدب مع من تقف بين يديه أثناء الصلاة كيف تكون الأخلاق الحميدة والرحمة المهداة .
الإمام العادل لم ينهر تلك القطة التي تعلو فوق رأسه أثناء تعبده تصرفاته كانت عبرة لمن أراد أن يعتبر مرآة أظهر الله من خلالها لين فؤاده .
لقد أصابته سهام القيم فى تهجد الليل و استقر فى درب سماحة النفس فيض من أنوار البدر أن مسلك الحديث دائر يحوم مثل الطير يحزم بأجنحة حول رقة القلب وحلاوة القول والرفق بالغير كل هذا وإن دل على ملمس الورد وهو يهدى عطرا يفوح بين أخلاقه.