التعزية بالميت

✍️ د – سلطان الراشد :

سنة عظيمة وأخلاق إسلامية رصينة تبعث على الرحمة والشفقة والتوادد والمؤازرة والمناصرة وتجعل المجتمعات قولاً وفعلاً كالجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .

والتعزية مواقف تذكر فتشكر ، وواقع ناطق بماتحمله القلوب وحال مشهودة .

ومعناه يدور في معاني التصبير وذكر ما يُسلي صاحب الميت ويُخفف حزنه ويهون مصيبته، وذلك لأن التعزية تَفْعِلَة من العزاء؛ وهو الصبر والتصبير ويكون بالأمر بالصبر وبالحث عليه بذكر ما للصابرين من الأجر ويكون بالجمع بينهما وبالتذكير بما يحمل على الصبر.
وأصلها في السنة من قول نبينا عليه الصلاة والسلام وفعله ، وفعل أصحابه رضي الله عنهم .
قال الإمام الشيخ الألباني رحمه الله: “ويعزيهم بما يظن أنه يسليهم، ويكف من حزنهم، ويحملهم على الرضا والصبر، مما يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، إن كان يعلمه ويستحضره، وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع…” انتهى من “أحكام الجنائز” (1/163) .
والأفضل أن يعزي بالألفاظ التي عزى بها النبي صلى الله عليه وسلم مثل: إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: “ليس في التعزيةشيء مؤقت [يعني: محدد].” انتهى من “الأم” (1/317) .
وقال ابن قدامة رحمه الله: “لا نعلم في التعزية شيئاً محدوداً…” انتهى من “المغني” (2/212) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: “وليس فيها لفظ مخصوص، بل يعزي المسلم أخاه بما تيسر من الألفاظ المناسبة مثل أن يقول: (أحسن الله عزاءك وجبر مصيبتك وغفر لميتك ) إذا كان الميت مسلماً..” انتهى من “مجموع الفتاوى” (13/380) .
ووقتها يبدأ من حين الموت، تبدأ التعزية من حين الموت، قبل الصلاة، وقبل الدفن، يعزون من حين يموت الميت، ولو قبل أن يغسل، ولو بعد التغسيل بعد التغسيل بعد الصلاة، لا ليس لا حد له، أما بدؤها من حين الموت، وأما النهاية فلا حد لها.
‎والاجتماع للتعزية : أن يجلس أهل الميت ويجتمعوا في مكان معين ، بحيث يقصدهم فيه من أراد العزاء ، سواء اجتمعوا في بيت أهل الميت ، أو في تلك السرادقات التي يقيمونها لهذا الشأن وغيره
وهذه المسألة من مسائل الخلاف المعتبر بين أهل العلم ، وللعلماء فيها اتجاهان : الاتجاه الأول :
‎لا يرى الاجتماع لأجل العزاء ، وأن هذا الاجتماع مكروه ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وكثير من المالكية ، وصرح بعضهم بالتحريم .
وأما الاتجاه الآخر :
فلا يرى حرجاً من الاجتماع والجلوس للتعزية إذا خلا المجلس من المنكرات والبدع ، ومن تجديد الحزن وإدامته ، ومن تكلفة المؤنة على أهل الميت ، وهو قول بعض الحنفية وبعض المالكية وبعض الحنابلة.
‎قال الشيخ صالح آل الشيخ : ” والذي رأيناه من علمائنا في هذا البلد وفي غيره حتى علماء الدعوة من قبل أنهم كانوا يجلسون ؛ لأنه لا تكون المصلحة إلا بذلك ، إذا فات ذلك فاتت سنة التعزية “. انتهى
وعلل غيره بأن الاجتماع للعزاء من العادات ، وليس من العبادات ، والبدع لا تكون في العادات ، بل الأصل في العادات : الإباحة .
ثم إن التعزية أمر مقصود شرعاً ، ولا وسيلة لتحصيلها في مثل هذه الأزمنة إلا باستقبال المعزين ، والجلوس لذلك ، فإن ذلك مما يعينهم على أداء السنة .
وهذه السنة النبوية أعني ” التعزية ” وتسلية أهل الميت سهلت اليوم وأصبحها أمرها سهلاً ميسراً بفضل الله ثم بفضل تسهيله سبحانه بمثل هذه التقنيات و الإختراعات ” كالجوالات ” والهوانف ورسائل الواتس والتويتر والانستجرام والفاكسات ووسائل التواصل عموماً فلاعذر لأحد في التخلف عن الإتصال والمهاتفة هذا لمن لم يقدر على الحضور للتعزية في المقبرة وفي مكان العمل والمسجد.
إلا ماكان من حال معذور كمريض أو رجل لم يصله الخبر ولم يعلم به .
والتعزية أمرها عظيم وشأنها كبير فهي بحق تخفف المصاب وتريح نفس أهل الميت وهذا والله هو الواقع الذي حدث معي ووجدناها عياناً بياناً في هذه الأيام التي أعقبت وفاة والدتي وغاليتي ومؤنستي وقرة عيني ومن أحتسبها عند ربي أعني أمي ” نشمية بنت رومي غازي المطيري ” عاملها الله بلطفه ورحمته وإحسانه وغفرانه وبلغها الفردوس الأعلى من جنانه .
ووفق كل من وقف معنا وواسانا وقدم لنا التعزية والتي كان لها بالغ الأثر في قلوبنا.
ووفق الله الجميع لمايحب ويرضى والحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى