زهرة ليثوبس
" قصة قصيرة "
✍️ طاهرة فداء :
اتجهت صباح يوم السبت وهو يوم الإجازة من عملي إلى مقهى جميل و هادىء في العاصمة مسقط الذي تم أفتتاحه مؤخراً وفور وصولي إلى المقهى أسرني شكله الخارجي الذي اضفى عليه طابعاً رومانسياً، تستقبلك عند مدخله الرئيسي عربة خشبية محملة بأزهار مختلف ألوانها. تتوسط المقهى أرجوحة أرجوانية تذكرنا بالقصص الغرامية التي طالما قراناها أيام الصبا مثل روايات عبير وغيرها من القصص العاطفية. فتيات صغيرات يضج المكان بضحكاتهن الناعمة، وهن منهمكات في تسجيل اللحظة بهواتفهن المحمولة، وتصوير المكان الذي لم يكن ليتسع فضاؤه لأحلامهن الغرامية. لا أعلم سبب عدم شعوري بالراحة وأنا جالسة إلى أحدى الطاولات المحشورة بزاوية بعيدة، ربما لأنها بعيدة او ربما شعرت أنني لا أنتمي لهذا العالم الرومانسي الجميل، أنه تيار العمر تآكلت عبر منحدره شحنات الحلم العاطفي والجمال الفتي التي كانت مختزنة بذاتي. جلست تاركة حقيبتي على الكرسي الخالي بجانبي كونها طاولة لأربعة أشخاص وأنا انتظر ضيفة واحدة فقط. نظرت إلى الساعة كانت الحادية عشرة صباحاً أنه موعد وصولها، وها أنا ذا آراها تدخل المقهى، تبدو في نهاية العقد الخامس من عمرها. ملامحها جميلة هادئه وكانت تلبس عباءه ملونه جميله راقية وواسعة نوعا ما لكنها مناسبة لعمرها. تترسم على محياها أبتسامة نحتها الزمن بمزيج من الألم والعطاء، كانت تضع حمره خفيفة على شفتيها زادتها تألق وجمال لكنها لم تخفي آثار الزمن التي كانت واضحه حول فمها. رحبت بها لكن تحيتنا كانت خالية من المصافحة اليدوية والعناق بسبب الأجراءات التي فُرضت علينا لحماية أنفسنا من الجائحه، لكن بداخلي كانت رغبة قوية لتقبيل جبينها أحتراما وأجلالاً لما قدمته من عطاء لهذا البلد الجميل. جلست قبالتي تاركة حقيبتها بجوار حقيبتي على الكرسي الخالي بجانبي ثم انغمسنا في حديث دافيء.
كانت تريد أن تحدثني عن زوجها أي عن حياتها الخاصة ثم صمتت برهه وأنا انظر إلى أصابعها الصلبة تزحف بقلق على الطاولة لترتشف القهوة التركية وكأنها تحاول أن تجمع قواها وذكرياتها المؤلمة لأنقل حكايتها للقراء، تنظر إلي وكانها تقول أنتي تقدري تفهميني.. صح؟
تذكرت مقولة شمس التبريزي “الصمت أيضا له صوت لكنه بحاجة إلى روح تفهمه” وسئلت نفسي لماذا اختارتني لتحكي لي حكايتها فالكتابة عندي هواية وليس أحتراف. كان بإمكانها أن تتحدث إلى كاتبة موهوبة أو مؤلف مشهور خصوصا أنها شخصية معروفة وكان لها منصب مرموق وكانت تتخذ القرارات الضرورية التي تخدم الشعب قبل أشهر من الآن، اي قبل صدور قرار التقاعد الذي شملها.
قالت : “تعرفي بعض النساء في عمان يمروا في ظروف حياتية صعبة بس ما يتكلموا”
أجبت نعم أعرف هذا الشيْ جيداً، ثم سردت حكايتها، لقد عانت كثيرا بسبب زوجها الذي كان من أقرباءها بديار المهجر قبل حوالي أربعين عاما وأنجبت منه طفلة جميلة وذكية وهي حالياً تدير شركة خاصة ناجحة. طبعا كان زواجا من ترتيب العائلة كأغلب الزيجات أنذاك. أضافت أنه بعد مرور عشر سنوات من زواجها اكتشفت خيانة زوجها مع أحد قريباتها التي اتصلت بها لتخبرها عن علاقتهم المحرمه فما كان منها إلا أن طلبت الطلاق لتريح نفسها من التعب النفسي. كنت أسمعها وأنا مندمجة لكنني قلت في ذاتي ما هو الجديد في هذه القصة فهي مكرره وتحدث مع كثير من النساء وخصوصاً خيانة الرجال مع النساء الأجنبيات والجميلات العربيات اللاتي أصبحن الكابوس الأسود يهدد كل زوجه تقريباً.
قلت لها ” الحمد لله أنه طلاقك ما أثر على نجاحك المهني أنت كنت ناجحه و مازلت. نجحت في تأسيس دار أزياء مشهورة قبل ثلاثين سنه ونحن الحريم عرفنا الأزياء الفرنسيه الراقية من خلالك. أنت كنت السباقه في نشر ثقافه وفن تصميم الأزياء و بعدها توليت منصب مهم الذي أخصلت فيه ايضاً”
ردت : “أنا كنت مصره على النجاح و ما خليت شيْ يآثر علي وعلى بنتي، كانت لي خطة وأهداف التزمت بها والحمد لله أنا راضية عما قدمته لي ولبلدي ولبنتي وهي فخورة بي الآن وسعيدة بانفصالنا لأنه لو عشنا سوا كانت مشاكلنا راح تآثر عليها سلباً “
بعدما أنهينا حديثنا ودعنا بعضنا و تواعدنا على لقاء آخر بفرح أكبر
ركبت سيارتي وأتجهت للمنزل و فور وصولي نظرت إلى الأزهار التي أشتريتها مؤخرا والتي كانت من فصيلة العصاريات، كم هي جميلة بالرغم من نموها في ظروف صعبة، و لفتت انتباهي زهرة ليثوبس التي تشعرك أنا صخره حية أنبتت زهره ملفتة للنظر زاهيه بألوانها و بتلاتها المتفرعة وهكذا وجدت ضيفتي بالرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها لم تتنازل عن تحقيق أحلامها و لم تضع نفسها في دائرة سوداء اسمها “زوجي فقط”، تلك الفكرة التقليدية السائدة أن نجاح المرأه وسعادتها مرتبطه بمدى حب وأخلاص زوجها لها، و سئلت ذاتي لماذا تحبس المرأه نفسها في هذه الدائره و ترفض الخروج منها هل لتنال أحترام الآخريات؟ شمس التبريزي يقول ” لا تَقبل بحياة لا تَشعُر فيها بِالحياة”