جولة البرهان الأفريقية : دبلوماسية الضرورة وحصاد النقاط.

✍️إبراهيم شقلاوي:

في ظل تعقيدات المشهد السوداني وتطورات الحرب في جانبها العسكري والسياسي ، جاءت جولة رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى خمس دول أفريقية كتحرك استراتيجي يعكس محاولة لترجمة المكاسب العسكرية التي حققها الجيش على الأرض إلى تأثير دبلوماسي أوسع. هذه الجولة التي امتدت لعدة أيام، شملت مالي، غينيا بيساو، سيراليون، السنغال، وموريتانيا، وتأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتشابك المعطيات الداخلية مع الحسابات الإقليمية والدولية. في هذا المقال نحاول مناقشة الضرورة الدبلوماسية وحصاد النقاط من خلال اطول جولة خارج البلاد أثناء الحرب للرئيس البرهان. في ظل تعقيدات المشهد السوداني الحالية، حيث تتداخل الأبعاد العسكرية والسياسية، كيف يمكن النظر إلى الي هذه الجولة الإستثنائية.

السودان يواجه تحديات غير مسبوقة بفعل الحرب الدائرة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، التي تستعين بمرتزقة أجانب من غرب أفريقيا، وهو ما جعل تعزيز التعاون الأمني محورًا رئيسيًا للجولة. الدول التي شملتها الزيارة لم تكن عشوائية الاختيار، إذ ترتبط جغرافيًا بمناطق تنشط فيها شبكات المرتزقة، ما يعكس إدراك القيادة السودانية لضرورة مواجهة هذا التهديد عبر شراكات إقليمية فعالة. تزامن الجولة مع تقدم الجيش في ولايات الخرطوم والجزيرة وشمال كردفان ودارفور يؤكد أنها ليست تحركًا معزولًا، بل جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى تثبيت المكاسب الميدانية وتعزيزها دبلوماسيًا.

استهدفت الجولة ايضا دولًا كمالي وغينيا بيساو، سعى السودان من خلالها إلى بناء تعاون أمني مع هذه الدول لقطع خطوط الإمداد ووقف تدفق المقاتلين الأجانب، وهو ما يُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه الجيش السوداني في معركته. حيث يبدو ان الرئيس البرهان قدم شرحا تفصيلاً في هذا الجانب لرؤساء الدول التي شملتها الجولة وهذا يفسر وجود المدير العام لجهاز المخابرات ضمن وفد الرئيس. الواضح ان الجولة ركزت على حصاد أهداف استراتيجية تتضمن تعزيز التعاون الأمني، كبح تدفق المرتزقة، وإعادة السودان إلى محيطه الأفريقي بصورة فعالة.

كذلك جات زيارة موريتانيا، باعتبارها رئيسة الاتحاد الأفريقي، والتي حملت رمزية خاصة، حيث ناقش البرهان إمكانية رفع تعليق عضوية السودان في الاتحاد، خطوة ضرورية لاستعادة موقعه الطبيعي في القارة. هذه الزيارة عكست أيضًا إصرار السودان على تأكيد سيادته في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية التي تحاول فرض تنازلات قد لا تتماشى مع المصالح الوطنية. في هذا السياق، جاءت تصريحات البرهان واضحة عقب الزيارة ، مشددة على أن أي تسوية سياسية يجب أن تكون مبنية على نزع سلاح المليشيات واستعادة الأمن والاستقرار كشرط أساسي لأي سلام مستدام، فيما يشير ان امر المليشيا قد بحث ضمن الاجندة.

إلى جانب القضايا الأمنية، تناولت الجولة ملفات اقتصادية، أبرزها مشروع سكة حديد “بورتسودان- داكار” الذي يعكس رغبة السودان في توسيع آفاق التعاون الاقتصادي مع دول القارة. مثل هذه المشاريع يمكن أن تسهم في ربط الاقتصاد السوداني بمحيطه الأفريقي، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات حول إمكانية استغلالها من قِبَل قوى دولية لتعزيز نفوذها في المنطقة في ظل صراع النفوذ وتقاطع المصالح بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين .

رغم الجهود الواضحة التي بذلت خلال الجولة، لا يزال السودان يواجه تحديات دبلوماسية معقدة، أبرزها تعليق عضويته في الاتحاد الأفريقي منذ 2019، وهو ما يضع قيودًا على قدرته في استعادة دوره الإقليمي. الواضح ان الجولة سبقها عمل دبلوماسي واستخباري جيد بالنظر نتائجها و الي حفاوة الاستقبال التي قوبل بها الرئيس البرهان في عدد من الدول، بجانب ما بدي من استعداد لمناصرة السودان، هذه كانت من ضمن حصاد النقاط الدبلوماسية.

الجولة حملت أيضًا رسائل موجهة إلى الداخل والخارج. داخليًا، أكدت القيادة السودانية أن الحسم العسكري ماضٍ حتى القضاء على التمرد، مع التأكيد على أن أي حلول سياسية يجب أن تحترم السيادة الوطنية. خارجيًا، أظهرت الجولة رغبة السودان في تعزيز مكانته داخل القارة الأفريقية من خلال بناء شراكات قوية مع دول الجوار ودول غرب أفريقيا. الأبعاد الأمنية للجولة وحصاد النقاط كانت الأكثر وضوحًا، حيث سعى البرهان إلى قطع خطوط الإمداد عن مليشيا الدعم السريع عبر بناء تعاون أمني مع الدول التي تنشط فيها شبكات تجنيد المرتزقة.

كذلك من حصاد النقاط المهم إعادة توازن العلاقات مع القوى السياسية والدولية: البرهان أشار إلى أن السودان بعد الحرب سيبني علاقاته مع القوى السياسية الداخلية والدول الخارجية على أساس المواقف الراهنة، مؤكدًا أن الحكومة السودانية لا ترفض السلام ولكنها تشترط أن يكون وفقًا لسيادة السودان وأمن شعبه. رغم الانفتاح الأفريقي الذي أظهرته الجولة، يظل السودان بحاجة فاعلية دبلوماسية وامنية اكبر لمواجهة تحديات استعادة دوره الطبيعي كفاعل في القارة الافريقية ، لمجابهة اي نفوذ اقليمي يسعي الي عزله عن عمقه الافريقي بالإضافة الي استقطاب دعم الأصدقاء بشكل كامل بعيدا عن تأثير الضغوط الدولية.

يبقى السؤال المهم مرتبطًا بقدرة السودان على مواجهة الأجندات الخفية التي قد تسعى لتوظيف الحرب لصالح أطراف إقليمية ودولية، عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن تصريحات البرهان عقب جولته الأفريقية تعكس توازنًا دقيقًا بين الحسم العسكري والتحركات الدبلوماسية. يتطلع البرهان إلى تحقيق مكاسب سياسية، خصوصًا من خلال تعزيز الحضور السوداني على الساحة الإقليمية، وبناء شراكات مع الدول الأفريقية . كما ان وراء هذه التحركات من المحتمل ان تكون هناك أجندات خفية تديرها قوى إقليمية ودولية، تضع في اعتبار مصالحها الخاصة على حساب السيادة السودانية. الأمر الذي يجعل من هذه الجولة خطوة هامة لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية والإقليمية، التي قد تحمل في طياتها تحديات كبيرة بما يوجب روية واضحة للحكومة في اليوم التالي من الحرب.
دمتم بخير وعافية.
يناير 2025م. [email protected].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى