همسة حب
✍🏼 د. عبد الرحمن دركزللي:
في قصيدته البديعة (همسة
حبّ إلى العام الجديد) يجيب الشاعر الكبير الأستاذ خليل عيلبوني عن سؤال يدور في خلَد كل إنسان عربي، وهو ما انطباعك عن العام الجديد ؟ وعلى غرار الشعراء العرب القدامى يتخيّل امرأة تسأله قائلة : هل من جديد تحمل الأيام؟
ــ كان جوابه مفعما بالأسى ، وحُقّ له ؛ لأن الحروب اليوم في وطننا حامية الوطيس تلتهم الأخضر واليابس، وتفترس البشر بأنيابها ، والعالم صامت يتفرّج:
آهٍ هُيامُ أثرتِ نيران الآسى* في خافقي ؛ فتوهّجت آلامُ
ــ والحق أن شاعرنا الكبير في قصيدته متشائم إلى أقصى حد ، وإن تعلق ببصيص من الأمل في الثلث الأخير منها:
ماذا أقول وعالَمي في صمته * صنَمٌ ، وهل تتكلم الأصنام؟
لا سمعَ لا بصرٌ لديه ولا فمٌ * يصحو على سيل الدِّما وينام
ــ وهو يؤثر الصمت على الكلام، ولا يرى في العام القادم أيّ بارقة أمل، لأنه على غِرار العام المنصرم، سيكون حافلاً بالنكبات والكوارث، وليس هنالك ما يدل على شيء جديد يبشّر بالخير:
ماذا سيحمل عامُنا الآتي لنا * إلا حكايا نصفُها أوهامُ؟
ــ لكن الشاعر، وعلى الرغم من الحزن واليأس، يفتح لنا نافذة الأمل والتفاؤل؛ فهو يرى في دولة الإمارات العربية المتحدة، قبَساً من نور يتوهج في قلب الظلام:
لكنني ما زلــتُ آمُــل أن أرى * يوماً يعمّ الكونَ فيه ســــلامُ
في موطني صار السلام عقيدةً* لمْ لا وقد أوصى به الإسلامُ؟
ــ ولذلك يتعلق بوطنه وقيادته الرشيدة ، ويرى أن الدنيا ما زالت بخير، وأن الحياة لا تخلو من الأمل؛ فيهنّئ أهله بالعام الجديد، ويُعرب عن حبه لوطنه وإعجابه الشديد بقائده العظيم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله:
وطني إمارات المحبّة والندى * للسلم فيها رفرفرفت أعلامُ
فلها التهاني من فؤاد عاشق * بســـــلام عالَمنا لديه غرامُ
وإلى محمـد بن زايــــدٍ الـذي * بعطـــــائه تتبسّــــــم الأيّــامُ
ــ وهكذا تراجع الشاعر عن صمته ، وقرر أن يعبّر عن تفاؤله ، وإيمانه بأنه لا بد أن تشرق في يوم من الأيام أنوار السلام، وتبزغ شمس المحبة.
ــ تلك هي المعاني النبيلة التي اشتملت عليها هذه القصيدة العصماء، وهي من دون شك أشرف المعاني وأرقاها، تسمعها فتشعر بعاطفة الشاعر تغلّفها وتتغلغل كل لفظة من ألفاظها.
ــ أمّا لغة القصيدة فلا يسعنا إلا أن نقول فيها : إنها في غاية الروعة من حيث اختيار الألفاظ، وجودة الصياغة، لا تجد فيها وهناً ولا ركاكة، و لاتقف فيها على حشو أو فضول.
ــ وقد جاءت الصور عفوية، لا افتعال فيها ولا تكلف، وهذه إحدى المزايا التي عرفناها في كل قصائد الشاعر.
ــ وفي الختام لا بد لي من أن أهنّئ شاعرنا الكبير على هذا المستوى الرفيع من الشعر الذي بلغه، وهذا الأفق السامي الذي حلّق فيه.