“الطفولة بناء وأمل: كيف نحمي الطفل من سطوة التكنولوجيا؟” خطبة د/ أحمد علي سليمان بمسجد كمبوند فيفث سكوير بالتجمع الخامس

كيف نحمي الطفل من سطوة التكنولوجيا؟

يستضيف مسجد كمبوند فيفث سكوير المراسم بالتجمع الخامس، يوم الجمعة الموافق 18 جمادى الآخرة 1446هـ/ 20 ديسمبر 2024م، فضيلة الدكتور أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والحاصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية في خدمة الفقه والدعوة، لإلقاء خطبة الجمعة بعنوان: “الطفولة بناء وأمل: كيف نحمي الطفل من سطوة التكنولوجيا؟” ويتناول فضيلته في خطبة الجمعة موضوعًا حيويًّا يتعلق بأغلى ما نملك في هذه الحياة، وهم الأطفال، الذين يُعدون فلذات أكبادنا. فالطفل الصغير هدية غالية جدًّا، فهو صنيعة الله، وعطية منه (جل وعلا)، وحقيق على كل مَنْ مَنَّ اللهُ عليه بها أن يشكر الله على هذه النعمة ليل نهار.

والطفل في منظور الإسلام “أمانة”، وهبة إلهية عظيمة… وقد وصف القرآن الكريم الأبناء بأنهم زينة الحياة الدنيا: قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ…) (الكهف: 46). ولما كان الطفل الصغير عجينة غالية جدًّا، فيجب علينا أن نشكلها على أفضل ما يكون، ولا يُعين على سَوِيّة النشأة إلا باحترام الذات الإنسانية.

كما تتضمن خطبة الجمعة حقوق الطفل، متمثلة في الحقوق العامة: وهي حق الحياة: فلكل طفل الحق في الحياة، وحق الرعاية الصحية: فيجب توفير الرعاية الصحية والعناية والتربية، وحق التعليم: ومن الضروري توجيه الأطفال نحو التعليم الجيد. الذي ينفعهم وينفع بلدهم.

أما الحقوق التفصيلية، فتشمل:

حقوق الطفل قبل أن يكون فكرة: فقد سبق الإسلام العالم في إقرار حقوق الطفل حتى قبل أن يكون فكرة، وأثناء، وبعد مجيئه.

حقوق الطفل جنينًا: تشمل رعاية الإسلام للطفل خلال فترة الحمل، مثل الدعاء قبل التقاء الزوج بزوجته، وحق الطفل في الحفاظ على حياته في بطن أمه وبعد مجيئه للدنيا. كما أباح الإسلام للحامل الإفطار في رمضان إذا كان ذلك يضر بها أو بالجنين، وحدد عقوبة لمن يتعدى على حامل ويسقط جنينها، وحرم الإجهاض إلا في حالات معينة.

حقوق الطفل عند الولادة إلى يومه السابع: تشمل ثبوت نسب الطفل، التلقين الروحي بالأذان، التسمية بأحسن الأسماء، وتحنيكه بالتمر، والعقيقة، والرضاعة الطبيعية.

حقوق الطفل من بعد ولادته إلى فطامه: تشمل التكريم والدعاء والإهداء والحنو والعطف، والمساواة بين الأطفال، وحق الطفل في بيئة صحية وقدوة حسنة.

حقوق الطفل من بعد الفطام إلى نهاية سن الطفولة: تتضمن حسن المعاملة، والرعاية الصحية، والتوجيه والإرشاد، والتعليم، وحفظ الدين والعقيدة، والرعاية النفسية.

وقد كان النبي محمد (ﷺ) قدوة في رحمة الأطفال وتقبيلهم، وكان يحملهم ويعطف عليهم، وتربيتهم وقد حث الإسلام على حماية الطفل اليتيم والاعتناء به.

ويتعرض فضيلة الدكتور أحمد علي سليمان إلى حقوق الطفل المعاق والضعيف، والطفل الموهوب، والطفل اليتيم، إضافة إلى ما يجب علينا نحو أطفال الشوارع.

كما يتناول الطرق المثلى لتحصين الأطفال وتربيتهم في عصر شديد التعقيد، ومن ذلك بناء الإنسان وتربيته على الفضائل جهودًا كبيرة، وحماية الأطفال من سطوة التكنولوجيا، دور المربي والمعلم والقدوة.

ومن ذلك تعزيز صلة الطفل بلغته الأم، فإذا كان الاهتمام باللغات الأخرى أمر جميل وجيد، لكن من العيب أن يُجيد الطفلُ اللغات الأجنبية ولا يستطيع التحدث بلغته العربية وهي لغته الأم. ومن المؤسف جدًّا أن بعض الآباء والأمهات يتحدثون مع أطفالهم باللغات في البيت باعتبار أن ذلك من الوجاهة والنبوغ والحداثة ويمنعون الحديث تماما باللغة العربية. هل هذا يرضي الله؟ أقولها بكل وضوح: لسنا ضد تعلم اللغات، بل ندعو إلى تعلمها كما فعل النبي (ﷺ) بشرط أن نمكّن أبناءنا من لغتهم الأم أولًا. وإن ما يحدث الآن من إقصاء اللغة العربية في أوساط اجتماعية كثيرة أمر مخيف. نحن أمام مستقبل مجهول، أمام سلبٍ لهويتنا وتاريخنا وأدبنا ولغة ديننا. كيف يمكن للطفل الذي لا يعرف لغته أن يعبد ربه، وهل يستطيع أن يقرأ القرآن والسنة، ويطّلع على التاريخ والأدب العربي وهو لا يعلم شيئًا عن لغته؟ بل إنه لا يستطيع حتى أن ينطقها!

في حين يأتي لتعلم اللغة العربية طلاب وافدون من حوالي 140 دولة في الأزهر الشريف، ويبلغ عددهم ستون ألف طالب وطالبة.

وهل نحن نربي أولادنا ليصبحوا غرباء عن دينهم، عن وطنهم، وعن هويتهم؟ هل يستطيع هؤلاء الدفاع عن وطنهم في المستقبل؟ أم سيكون ولاؤهم لمن تعلموا لغته وأدبه وافتتنوا به؟ ومن هنا يجب أن يكون لنا وقفة مخلصة مع النفس

ثم يوجه فضيلته رسالة للمسلمين في كل مكان من مسجد كمبوند فيفث سكوير المراسم بالتجمع الخامس، تتضمن عددًا من التوجيهات منها:

  • تعاملوا مع أطفالكم بشكل إيجابي
  • اتركوا النقد واللوم
  • نظموا وقت الشاشة
  • تواصلوا مع أطفالكم والعبوا معهم
  • تابعوا استخدامهم للإنترنت
  • علموهم العدل، والموضوعية، والنزاهة، والحيادية، والعمل الجماعي، وثقافة الشورى، واحترام المخالف وعدم الحجر على فِكرِه، والرجوع لأهل الذكر في كل مجال: فأهل الذكر في الطب هم الأطباء، وأهل الذكر في الهندسة هم المهندسون، وأهل الذكر في الزراعة هم الفلاحون، وأهل الذكر في الفقه هم الفقهاء..
  • علموهم التسامح والتعددية وقبول الآخر، وعلموهم الابتعاد عن الانفعالات الفكرية، وأننا عندما نختلف مع أحد فإننا نختلف مع فكره وليس مع شخصه، وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
  • علموهم برفق، ربوهم برفق، عودوهم على عبادة الله برفق، ولا تكونوا منفرين، فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو (رضي الله عنه) قَالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلَاةِ في الفَجْرِ ممَّا يُطِيلُ بنَا فُلَانٌ فِيهَا، فَغَضِبَ رَسولُ اللَّهِ (ﷺ)، ما رَأَيْتُهُ غَضِبَ في مَوْضِعٍ كانَ أَشَدَّ غَضَبًا منه يَومَئذٍ، ثُمَّ قالَ: (يا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ مِنكُم مُنَفِّرِينَ، فمَن أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فإنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ والكَبِيرَ وذَا الحَاجَةِ) (أخرجه الإمام البخاري في صحيحه)، وعلى هذا نسير في كل أمورنا مع الأطفال بالرفق (بالراحة).
  • كونوا قدوة حسنة في الأخلاق والسلوك، ووفروا بيئة داعمة ومشجعة لنمو شخصية الصغير.

وعليكم بملازمة الدعاء خاصة في أوقات الإجابة كثلث الليل الأخير، وأثناء السجود، ويوم الجمعة؛ بأن يصلح أولادكم وأولادنا، وأن يهديهم إلى الطريق المستقيم، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان: 74).

هذه وصيتي واعلموا أيها الآباء: أن قضية بناء الإنسان وتربيته على الفضائل من الصعوبة بمكان، وتستدعي جهودا كبيرة جدًّا لا تتوقف، فالعبء كبير، والأمانة عظيمة…

 وهنا أحذر وأنبه خلي بالك:

  • إذا أردت أن يكون ولدك أتعس الناس فاعطه كل ما يريد كما قال المفكر العالمي: “جان جاك رسو”.
  • إذا أردت أن يكون ولدك تائها، فاتركه وحده مع هاتفه وحيدا في غرفته بالساعات.
  • إذا أردت أن يكون ولدك غريبا عن دينه، جهولا بربه فلا تعلمه القرآن.
  • إذا أردت أن يكون ولدك عن لا يعرف لغته فاترك يكتب الفرانكو أراب.
  • إذا أردت أن يكون ولدك بلا مستقبل فاتركه لرفاق السوء.

نسأل الله السلامة لنا ولأولادنا، وأن يوفقنا للحفاظ على ديننا وهُويتنا ولغتنا، وأن يجعلنا ممن يخدمون لغة القرآن الكريم.

يحضر هذه الخطبة عدد من السادة العلماء والمسئولين والشخصيات العامة.

وبالله تعالى التوفيق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى