حتى الحشرات لا تكذب
صالح الريمي :
الكذب فيروس ينخر بالثقة في كل علاقة، فلا تكذب، وإن كذبت فلا تواصل الكذب، وإن واصلت الكذبة فلا تجعله عادة لك، فالكذب ضعف، ووهن، وغباء، وقبح، وخلق مشين يقودك للمهالك، فلا تكن كذوبًا واستبدله بالصدق، فهو صفة الجمال والعظمة والكمال !.
قرأت في كتاب مفتاح دار السعادة للعلامة بن القيم، أنه جلس يومًا تحت ظل شجرة، فرأى أمرًا عجبًا، رأي نملة تسير بجوار مكان جلوسه، حتى دنت من جناح جرادة، فأرادت حمله معها مرارًا فلم تستطع لثقله عليها، فاتجهت إلى معسكرها – قرية النمل تحت الشجرة -، فما لبثت ثواني حتى جاء فوج كبير وجم غفير من النمل معها لمكان الجناح، – يبدو والله أعلم أنها طلبتهم لمساعدتها -، فلما دنا الفوج من المكان، رفع ابن القيم جناح الجرادة، فبحثوا فلم يجدوا شيئًا، فعادوا إلى مكانهم وقريتهم بعد أن أضناهم التعب.
وبقيت نملة واحدة، ظلت تبحث بهمَّة عالية، – يبدو أنها النملة الأولى التي أبصرت الجناح أولًا -، فأرجع ابن القيم الجناح، فلما رأته طربت له، وحاولت سحبه فلم تستطع، فاتجهت مسرعة إلى رفيقاتها، ولكنها أبطأت في الخروج من القرية، – الظاهر أنها حاولت إقناعهم بصدق حديثها، حيث قلت مصداقيتها لما جرى في المرة الأولى – ..
ثم خرج معها فوج أقل من المرة الأولى، حتى دنوا من مكان الجناح، فرفعه ابن القيم قبل وصولهم، فلم يجدوا شيئًا، فلما أضناهم البحث، رجعوا إلى قريتهم خائبين، وبقيت نملة واحدة تبحث كالمصروعة – لعلها نفس النملة بطلة الحدث -، وحينها أرجع الشيخ الجناح إلى مكانه، فلما رأته طربت له ثانية وانطلقت مسرعة إلى القرية، وأطالت جدًا أكثر من الثانية، ثم لم يخرج معها إلا سبعة فقط.
فلما دنوا من مكان الجناح رفعه ابن القيم قبل وصولهم إليه فلم يجدوا شيئًا، فاشتاطوا غضبًا – على ما يبدو -، حتى إنهم أحاطوا بها كالمعصم، وجعلوها في وسطهم ..
ثم ماذا…؟؟؟ لقد انقضوا عليها، فقطَّعوا رفيقتهم النملة قطعة قطعة، فقروا بطنها، وفصلوا رأسها عن جسدها، وكسروا أطرافها – ولا حول ولا قوة إلا بالله -، وبعد أن أنهوا فعلتهم، ألقى إليهم ابن القيم بالجناح فلمَّا أبصروه ندموا كثيرًا وأحاطوا برفيقتهم المسكينة، وقد انتابهم حزن كبير، ولكن، بعد فوات الوقت .!
قال ابن القيِّم:
“فهالني ما رأيت، وأحزنني ذلك كثيرًا”، فانطلقت إلى شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله فأخبرته الخبر فقال: “أما أنت فغفر الله لك، ولا تعد لمثلها، وأما ما حدثتني به، فسبحان من علَّم النمل قبح الكذب، وعقوبة الكذَّاب.
ترويقة:
سبحان الله حتى الحشرات لا تكذب وتستقبح الكذب وتترفع عنه وتنكر على الكذاب فعله لأنها على الفطرة وفطرتها تهديها إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والتخلي عن الأخلاق الرذيلة والصفات القبيحة!
ومضة:
الكذب مفتاح النفاق وأساسه، وهو من أخص صفات الأراذل من الخلق، قال عليه الصلاة والسلام: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*