الوعد القاتل
✍🏻 صالح الريمي :
لقد جاء الدين الإسلامي العظيم بجملة من الآداب الاجتماعية بنسيج واحد ملتئم ومتماسك، لا يمكن الأخذ بطرف منه وترك سائره، بل لابد من التحلي به جملة وتفصيلًا حتى يسود المجتمع ويرتقي في سلم المجد والعز، ومنها أدب الصدق بالمواعيد وعدم التخلف عنها، إلا بعذر قاهر صحيح مقبول..
وقديمًا قيل في الأمثال: لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك، وهذا يدل صريحًا أن الوعد من أهم ما يلتزم به المرء، فإذا كانت بصمة أصبعك تثب شخصيتك، فإن بصمة لسانك تثبت حصاد تربيتك وسمو أخلاقك، فاجعل من نفسك أثرًا جميلًا يطبع في نفوس البشر، واجعل من يراك يدعو لمن رباك.
والوعد كذبًا يبقى كذبًا وإن تم تلوينه بكذبة بيضاء أو غيرها من الألوان، ومن هذه المقدمة أنقل لكم قصة أعجبتني، قصة نقلها لي أحد القراء الكرام وأنا بدوري أنقلها لكم كما وصلتني، يقول راوي القصة في يوم من الأيام رجع الملك إلى قصره في ليلةٍ شديدة البرودة، ورأى حارسًا عجوزًا واقفًا بملابس رقيقة، فقترب منه الملك وسأله: ألا تشعر بالبرد؟ فردّ الحارس: نعم أشعر بالبرد، ولكني لا أمتلك لباس دافئ، فلا مناص لي من التحمّل..
فقال له الملك: سأدخل القصر الآن وأطلب من أحد خدمي أن يأتيك بلباسٍ دافئ، فرح الحارس بوعد الملك، ولكن ما أن دخل الملك قصره حتى نسي وعده للحارس، وفي الصباح كان الحارس العجوز قد فارق الحياة وإلى جانبه ورقة كتب عليها بخطٍ مرتجف: أيّها الملك، كُنت أتحمّل البرد كل ليلة صامدًا، ولكن وعدك لي بالملابس الدافئة سلب مني قوّتي وقتلني.
وعدك لشخص يعتبر وعدًا قاتلًا، وقد يعني وعدك له أكثر مما تتصور، فلا تخلف وعدًا الزمت به نفسك، فأنت لا تدري ما تهدم بوعدك الكاذب، وقد حثنا ديننا الإسلامي على الالتزام بالوعد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وأن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وأن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا)، فالوعد أمر مُلزِم، سواء كان مكتوبًا أو كلامًا شفويًا، والوفاء بالوعود من الأخلاق النبيلة والصفات الحميدة التي حثنا عليها دينن الحنيف.
*ترويقة:*
قال الله تعالى: «وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَٰبِ إِسْمَٰعِيلَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا…»، وفي المقابل حذرنا الله من إخلاف الوعد وبين أنه من صفات المنافقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان».
*ومضة:*
ونعم قول الشاعر في هذا الخصوص:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه
فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل لا واسترح وترح بها
لئلا يقول الناس إنك كاذب
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*