الجامعة العربية في السودان : لتسويق صفقة أم لتقديم مبادرة جديدة ؟!

" وجه الحقيقه "

✍🏻 إبراهيم شقلاوي :

ينظر كثير من السودانيين إلى الجامعة العربية بعين الترقب والخُذلان، بين تاريخها الذي صنع “لاءات الخرطوم الثلاث” وبين تأخرها في نصرتهم عقب اندلاع الحرب المدعومة إقليميًا ودوليًا. حيث جاءت زيارة أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية للسودان مطلع هذا الأسبوع متأخرةً ويكتنفها كثيرا من الغموض ، إذ تُعتبر هذه أول زيارة له منذ اندلاع الحرب . لعل هذه الزيارة جاءت في سياق سياسي وأمني معقد للغاية في وقت تشهد فيه البلاد حربًا وجودية متصاعدة بين الجيش السوداني ومليشيا “الدعم السريع”، نتيجة انقلاب فاشل حاولت بموجبه الميليشيا وداعموها المحليون والإقليميون الاستيلاء على السلطة . في واحدة من مظاهر الصراع الإقليمي والدولي للسيطرة علي موارد البلاد الضخمة إلى جانب الاستفادة من الموقع الجيوسياسي المميز على ساحل البحر الأحمر .

هذا الواقع جعل أي تحرك دبلوماسي بما في ذلك زيارة أبو الغيط محاطًا بالكثير من الأبعاد السياسية والأمنية . فمنذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023 أظهرت الوقائع أن التدخلات الإقليمية والدولية أشعلت الصراع وأطالت أمده . في هذه البيئة ظلت تتشكل معركة سودانية غير تقليدية بين مناصري الجيش السوداني الذين يرون فيه صمام الأمان لوحدة البلاد ومستقبلها السياسي ومناصري المليشيا الذين يتطلعون للحكم دون تفويض ، لذلك ظلت هذه المعطيات تمثل جزء كبيرا من التحدي في كيفية إدارة هذه التدخلات دون تصعيد الحرب أو زيادة الأزمات الإنسانية .

بجانب هذه التعقيدات تبرز مسألة ازدياد حدة الانتهاكات الوحشية من قبل ميليشيات “الدعم السريع” والتي ساهمت في إفشال العديد من المبادرات السياسية الإقليمية والدولية لوقف الحرب . كما أن عدم التزام الميليشيات بتنفيذ اتفاق جدة للترتيبات الأمنية والإنسانية الموقع في 11 مايو 2023 أدى إلى مزيد من تعقيدات المشهد .

في ظل هذه الظررف نشطت العديد من المبادرات الإقليمية والتي تمثلت في المحاولة للوصول لحلول تضمن استعادة الأمن وتحقيق السلام للسودانيين . ورغم دخول الاتحاد الإفريقي و”الإيقاد” والأمم المتحدة عبر مبعوث الأمين العام رمطان العمامرة إلا أن هذه الأطراف لم تنجح في فرض تهدئة حقيقية لإنهاء الحرب . يعود هذا الفشل جزئيًا إلى غياب توافق حقيقي بين القوى الكبرى على تعريف الأزمة بشكل مشترك يساعد في حلها . حيث تصفها الحكومة بانها انقلاب مدعوم إقليميا ودوليا لإختطاف البلاد .

لهذا أثارت زيارة أبو الغيط تساؤلات حول دور الجامعة العربية في حل النزاع السوداني . فالجامعة التي كانت تاريخيًا تمثل إطارًا أساسيًا للتنسيق العربي والتصدي للمهددات الأمنية المتعلقة باستقرار دول المنطقة تواجه الآن تحديات كبيرة في ظل تزايد الانقسامات السياسية داخل العالم العربي ، فضلًا عن تباين المصالح بين الدول الأعضاء ، لذلك من جهة تسعى إلى تعزيز التضامن العربي مع السودان ، إلى جانب التنسيق مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لإحلال السلام . لكن من جهة أخرى تظل هناك تحفظات من بعض الأوساط السودانية على قدرة الجامعة على التأثير بشكل حاسم في الوضع الراهن .

فقد اعتبرت الحكومة السودانية في أكثر من مناسبة أن الجامعة رغم مواقفها الإيجابية المعلنة لم تقدم مبادرة عملية لمعالجة التدخلات الإقليمية خاصة تلك التي تقوم بها الإمارات والمتهمة بدعم ميليشيات “الدعم السريع” بالمال والسلاح . في هذا السياق قال وزير الثقافة والإعلام خالد الأعيسر خلال زيارة أبو الغيط إن الحكومة السودانية تعول على الجامعة العربية للضغط على الدول الإقليمية المتورطة في دعم التمرد . ولكن مراقبين يشيرون إلى أن الحكومة السودانية غير واثقة من قدرة الجامعة على اتخاذ خطوات جادة وفعالة خاصة في ظل غياب دورها المؤثر و انشغالها بعدة ملفات كالقضية الفلسطينية وأزمات لبنان وسوريا .

بالنظر الي كل هذه التدخلات الإقليمية المعقدة يرى البعض أن الجامعة تسعى لتحقيق توازنات إقليمية ودولية عبر دعم طرف سياسي في السودان على حساب الآخر . في حين تؤكد مصر على موقفها الداعم لاستقرار السودان باعتباره جزءً من أمنها القومي ، بالنظر الي هذه التعقيدات يبرز الدور الإماراتي الذي يعتقد السودانيون أن دعم الإمارات لميليشيات “الدعم السريع” يأتي في إطار تحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بالموانئ والأراضي الزراعية . إلى جانب محاولة تمكين قوي سياسية بعينها متجاوزة بذلك إرادة السودانيين في رسم مستقبل البلاد السياسي، أما المملكة العربية السعودية فتسعى لإيجاد مقاربة للحل تشمل كافة القوى السياسية بالنظر إلى الوساطة التي تقودها مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي انتجت اتفاق جدة للترتيبات الأمنية والإنسانية .

حيث يرى مراقبون ضرورة أن يكون للسعودية وامريكا دور ضاغط يلزم المليشيا بتنفيذ الاتفاق الذي قدمت الحكومة السودانية خارطة طريق لإنفاذه كمسار استراتيجي يسبق أي عملية سياسية وهو ما يبدو الذي جاء للنقاش حوله ابو الغيط كما سبقه حول ذات الرؤية الأسبوع الماضي وزير الخارجية المصري د. بدر عبد العاطي ، بينما يُنظر إلى قطر كلاعب دبلوماسي محوري محتمل الدخول في خط السلام بإحداث مقاربة بين جميع المبادرات نظرًا لتاريخها الإيجابي في حل النزاعات بالسودان ، مثل اتفاقية سلام دارفور .

عليه وبحسب ما نرى من وجه الحقيقة تظل السيناريوهات المستقبلية غير واضحة في ظل هذه التعقيدات. قد تساهم زيارة أبو الغيط في تعزيز التنسيق العربي حول السودان لطي ملف الحرب مع غياب احتمال الصفقات ، لكنها قد لا تكون كافية لإحداث تحول جذري في الوضع القائم ما لم يتم إيجاد حلول عملية للمشاكل الهيكلية في العلاقات الإقليمية . كذلك ربما تكون المبادرة القطرية المحتملة أو التحركات المصرية للإشراف على محادثات مباشرة بين الأطراف السودانية السبيل الأمثل للانتقال بملف الحرب في السودان إلى منطقة واضحة يمكن منها استعادة الأمن وتحقيق السلام للسودانيين .
             دمتم بخير وعافية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى