الحكومة تكشف عن تحولات في إستريجيتها لمجابهة التحديات

✍🏻 إبراهيم شقلاوي :

المتابع للأحداث في السودان يمكنه أن يرى بوضوح أن البلاد تدخل مرحلة جديدة من التحولات الاستراتيجية في الجوانب السياسية والعسكرية بعد سلسلة من الانتصارات في مناطق حاكمة وحيوية في محور الخرطوم وبحري وسنار والجزيرة ودارفور من خلال قطع نسبة كبيرة من الامداد القادم لمليشيا الدعم السريع عبر الصحراء .

هذه التحولات لا تختصر فقط على الانتصار العسكري ، بل هناك تحولًا في البنية السياسية والاستراتيجية للدولة . وهي ربما تهدف إلى إعادة رسم الأولويات على الصعيدين العسكري والسياسي ، حيث يعد ذلك فاصلا بين مرحلة الحرب ومرحلة السلام وذلك بفصل الخطاب العسكري عن الخطاب السياسي للحكومة بما يعكس إلتزام الحكومة بتأكيد سيادتها وإعادة بناء الدولة السودانية ، مع التركيز على دورها كسلطة شرعية قادرة على إدارة مستقبل البلاد على مختلف الأصعدة .

للمؤتمر الصحفي الذي عقدته الحكومة السودانية بالأمس في بورتسودان في هذا التوقيت أهمية بالغة ، حيث جاء معبرا عن هذه التحولات . لذلك بحسب مراقبين لم يكن مجرد تنوير إعلامي حول سير المعارك وتطور الأحداث ، بل مكن الحكومة من اعاد تقديم نفسها في المرحلة القادمة في مواجهتها للتدخلات الاقليمية التي تغذي المليشيا بالأمداد . لذلك يمثل هذا المؤتمر الصحفي خطوة استراتيجية نحو تعزيز دور الحكومة كسلطة حاكمة قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي بجانب تشكيل ملامح المرحلة المقبلة .

كذلك الملاحظ من خلال المؤتمر عملت الحكومة على إبراز هيبتها و قوتها علي المستوى الداخلي عبر التأكيد على الانتصارات العسكرية والمهددات الامنية ، كما أنها استعرضت دورها الإقليمي والدولي في مواجهة التدخلات الخارجية ورفضها لأي تهديد لسيادتها . لذلك يمكننا القول أن توقيت المؤتمر كان مدروسًا ليواكب التحول من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام حيث أصبح واضحًا أنها تسعى إلى استعادة مكانتها ليس فقط على الساحة الداخلية ولكن أيضًا على الصعيدين الإقليمي والدولي .

كذلك كان لظهور وزير الدفاع السوداني، الفريق الركن يس إبراهيم ، في هذا المؤتمر بمثابة خطوة استراتيجية تبرز التغيير في نهج الحكومة السودانية . لأول مرة منذ اندلاع الحرب ، منح هذا الظهور وزارة الدفاع فرصة للحديث مباشرةً الي الشعب السوداني والمجتمع الدولي. تطرق الوزير إلى الانتصارات العسكرية في مناطق استراتيجية وفضح الدعم الإقليمي للمليشيا المسلحة ، وفي هذا السياق كان قد كشف عن تورط دولة عربية وتشاد في تزويد المليشيا بالطائرات المسيرة، هذه الإدانة المعلنة والتي تمتلك الحكومة أدلة ظاهرة عليها كما أوضح الوزير يراها المراقبين أنها ربما بمثابة إعلان رسمي للبحث عن تسويات سياسية ودبلوماسية مع الأطراف الاقليمية .

وهو تأكيد على أن الحكومة السودانية لم تكتفِ بالنجاح العسكري على الأرض فحسب ، بل تسعى لتصعيد موقفها الإقليمي والدولي . إن هذا التحول في خطاب الحكومة ربما رسم ملامح استراتيجية سياسية جديدة تهدف إلى إظهار حجم التحديات التي يواجهها السودان ، مع التأكيد على حقه في الدفاع عن سيادته ، هذا ما أكده أيضا حديث وزير الخارجية علي يوسف الشريف الذي تناول التصعيد العسكري للمليشيات المدعومة إقليميا وأكد على أن هذه الأفعال تعد انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي . الوزير سلط الضوء على الأدلة التي يمتلكها السودان لفضح تورط هذه الدول في دعم المليشيا . هذا التصعيد الدبلوماسي يشير إلى تكثيف الجهود القانونية والدبلوماسية في المرحلة المقبلة لفضح تدخلات الدول الإقليمية .

وهو ما يعكس نضوجًا في سياسة السودان التي تضع التحديات العسكرية إلى جانب المواجهة السياسية كأدوات استراتيجية في سياق الأزمة .أيضا جاءت تصريحات وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الأعيسر ، الذي أضاف بعدًا آخر في سياق تعزيز قدرة الحكومة على فرض خطابات موحدة على الساحة الإعلامية . حيث ركزت على ضرورة حياد الإعلام وإلتزامه بالمهنية كانت هذه الإشارة بحسب متابعاتنا من الأهمية بمكان في هذا التوقيت الذي ضعف فيه الاداء الاعلامي الرسمي للدولة مما خلق فراغا في التعاطي مع الانتهاكات الوحشية التي ظلت تقوم بها المليشيا في قرى الجزيرة ودارفور وولاية الخرطوم .

لذلك من المهم إجراء محاولات إسعافيه لمخاطبة المجتمع الدولي عبر خطاب يعتمد تعريف الحرب في السودان وفقا لرؤية الحكومة المسنودة بشرعية قانون القوات المسلحة السودانية والقانون الدولي والإنساني لذلك جاء تحذير الأعيسر إلى جميع الوسائل الإعلامية الخارجة عن الخط الوطني وهذا فيه إشارة واضحة لضبط فوضي الإعلام التي اظهرتها بعض المنصات الإلكترونية والقنوات الفضائية وقد أشار إلى أنه لن يكون لها مكان في السودان إذا لم تلتزم المهنية وهذا فيه رؤية واضحة لاستراتيجية الحكومة في تأكيد سلطتها في الفضاء الإعلامي ، بما يخدم مصالحها الوطنية ويعزز استقرار البلاد .

عليه وكما نرى من وجه الحقيقة إن التنسيق بين الخطاب العسكري و الخطاب السياسي يعكس تحولًا جذريًا في استراتيجية الحكومة السودانية للمرحلة القادمة . هذه الاستراتيجية لا تقتصر على مواصلة الحرب ضد المليشيات فحسب، بل تشمل أيضًا تحولًا في آليات التفاعل مع المجتمع الدولي والإقليمي . كما أن تصريحات الوزراء الذين اجتمعوا في منصة المؤتمر الصحفي كفريق عمل متجانس ، تؤكد القدرة على الفصل بين مرحلتي الحرب والسلام ، مع العمل على تحقيق توازن بين القوة العسكرية والشرعية السياسية . هذا التنسيق يعزز موقف السودان في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ، ويضعه في موقع القوة لتحديد مستقبل البلاد في اليوم التالي من الحرب .
دمتم بخير وعافية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى