هكذا يكون الحب

قصة قصيرة

بقلم د / سعاد حسني


عجيبة هذه الحياة، تارة تفرحنا وتعطينا أكثر ما نتمنى، بل قد يكون غير متوقع، وغير منتظر. وتارة أخرى تكون سببا في حزننا وبؤسنا. وما أكثر التارات الأخيرة! فالفرحة لحظات قصيرة لاتقارن بالنسبة لأيام الحزن والشقاء، وما أطولها!

مثل ليالي الشتاء شديدة البرودة التي تجعلك منفصلا عن الناس، مختبأ في عبائتك، متعطشا لدفء المنزل، ملهوفا على كوب من الشاي الساخن، أو أى شراب أخر. وفي دوامة الحياة تظهر لنا أشياء تستغرب عليها لتوقيتها المفاجئ بالنسبة لك ؛ لأنها لم تكن في حسبانك، كما أنك تندهش لتأثيرها عليك، وعلى حياتك. وليس هناك أجمل من لحظات الحب، والصفاء، المودة، وإحساسك أن لك قلب ينبض، قلب يعلن عن وجوده، قائم بوظائفة بمنتهى النشاط والحيوية، قلب يشعرك أنك مازلت متعلقا بالحياة وجمالها. وكأنك سابح في الفضاء، متنقلا بين الكواكب والنجوم، مضيئا مثل أشعة الشمس الذهبية، ولا تريد النزول أبدأ على الأرض. فهذا هو على يعمل في إحدى شركات تكرير البترول. فهو يعمل مهندسا للتكرير. يحظى بمحبة جارفة من زملائه؛ لخلقه الرفيع، وطباعه المهذبة، هذا إلى جانب تمتعه بقسط وافر من الوسامة والهيبة في الروح والشكل. وتمر به الأيام في عمله وكل يوم يزداد محبة من زملائه عن اليوم السابق له، وخاصة أنه إنسان يحب الحق، ويحب التعامل به. وفي أحد الأيام أتت إلى الشركة مهندسة بترول. فقد جاءت محولة من دمياط؛ لنقل زوجها أحمد إلى القاهرة، والذي يعمل ضابط شرطة. أما هي فتدعي سلوى، تتمتع بالخلق الرفيع، وجمال الطباع، هذا إلى جانب لديها قسط ليس بالقليل بالنسبة للجمال، ولكن قبل هذه الصفات هي شعلة من النشاط. تحب العمل، وتعشقه، ويشاركها في هذا العشق بيتها؛ فهى تحب بيتها أيضا وأولادها وائل في كلية الهندسة، في السنة الرابعة، وأخته هدير في الصف الثاني الثانوي، والتي تتمنى أن تصبح طبيبة. أما سلوى فهي إنسانة طموحة لأقصى درجة، وتريد أن تصل إلى أعلى المراتب في المجتمع؛ لهذا هي دائما متفوقة وتحصل على الكثير من الشهادات التقديرية. وعلى الرغم من هذا التفوق وتفانيها في العمل، هي لا تنسى أبدآ أنها زوجة وأم، وتضع في نصب أعينها حياتها الأسرية. فهي إن كانت تفنى في عملها وقت العمل، فهي أيضا تفنى في بيتها من أجل أولادها وزوجها. ومرت بها الحياة وأصبحت سعيدة في عملها؛ لعشقها له. وأعجب بها علي كزميلة نشيطة، وإنسانة خلوقة، إلى جانب روحها. وفي ذات الوقت لفت نظرها علي من حيث الجاذبية والخلق الرفيع. ومرت بهما الأيام وكان حب العمل والاحترام يجمع بينهما. وفي ذات يوم تعرضت سلوى لموقف غريب من قبل أحد زوار الشركة، حيث اختلف معها في النقاش، وعلى صوته عليها، ليس هذا فحسب بل أهانها ببعض الألفاظ النابية المغلظة، والتي تنبع بالغشم والقسوة، وسوء الأخلاق من قبل هذا الزائر. والعجيب أن سلوى لم تجد من يقف بجانبها، ويساندها من زملائها، أو حتى مدير الشركة الذي وقف موقفا سلبيا، ولم يتخذ أي إجراء تجاه هذا الرجل. وأحست أنها وحيدة حتى زوجها عندما رجعت إلى المنزل، وحكت له ما حدث بينها وبين هذا الشخص، لم تجد منه إلا السلبية، والإهانة، والسخرية. وبدلا من أن يقف بجوارها والقيام بحمايتها، تخلى عنها ولم يعبء بها. والحقيقة لا نستغرب على ذلك؛ فهو إنسان بطبعه سلبي، لا يستطيع أبدا أن يأخذ قرارا في حياته، ولا يشارك سلوى ولا أولاده – وائل وهدير _ في حياتهم؛ فهو ليس له علاقة بالمنزل إلا الطعام والشراب، والنوم فقط. غير أنه كان دائما مقصرا في نفقات المنزل ومستلزماته، ولا يقوم بدوره كأب أو زوج إلا بعد سلسلة من الاشتباكات، الخناق بينه وبين زوجته وأولاده. ليس هذا فحسب فهو دائما وأبدا يتلفظ بألفاظ مقذذة مؤذية للمشاعر سواء كان لزوجته أو لأولاده. هو في النهاية إنسان تستحال المعيشة معه. وهي فعلا وجدت نفسها وحيدة تجاه هذا الموقف، لا زميل، ولا مدير، ولا زوج. لكن عندما عاد علي اليوم التالي حيث أنه كان في أحد منابع للتكرير بالسويس، وعندما علم بم حدث بين سلوى وبين هذا الشخص الزائر للشركة، ثار وغضب غضبا شديدا، وجن جنونه، فكيف يحدث هذا لزميلة له؟ ويقف الزملاء يتفرجون عليها، ولا أحد يقف بجوارها ويساندها. وقبلهم كان في هذا الموقف المخزي والمخجل مدير الشركة. وعلى الفور لم يفكر بل طلب هذا الشخص في الهاتف، وطلب منه الحضور مسرعا، وجاء الرجل ولم يدري ما في انتظاره. وعندما حضر عاتبه على هذا الأسلوب المهين لزميلته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى