حوار مع الكاتب الجزائري مراد نعمون
كتاب وكاتب
• حاوره: سمير تلايلف
الأستاذ الجزائري مراد نعمون أهلا بك معنا من خلال هذا الحوار، لو تخبرنا عن نفسك، بماذا ستبوح لنا عنها؟
مراد نعمون: أقول أنني كاتب وأستاذ جامعي، من مواليد الرابع من مارس ألف وتسعمائة وسبعة وسبعون بولاية سكيكدة، متحصلٌ على شهادة الماجستير في تخصص مالية المؤسسة بجامعة باجي مختار عنابة، أزاول مهنة أستاذ جامعي بقسم العلوم الاقتصادية بجامعة 20 أوت 1955 سكيكدة منذ العام 2008، متسلِّحا بحب العمل وليس سواه، متأملاً في معاني وقواعد الحياة من أبواب بسيطة جدًا، وكأنما أريد التعمق في حبة قمح لمعرفة جمال خلقها ونفعها، أو كأنما أيضا أريد تسلق جبل شاهقٍ لأرى الوجود كحبة قمحٍ. بدأت في خوض تجربة الكتابة منذ العام 2020 معتمدا على جعبتي العقلية وروح الفكر وحصاد معرفي أغرقني الله سبحانه وتعالى بوابلٍ من نعم الخير وسلطة المعرفة والتميز الإبداعي في مجالات فنيَّة كالرسم منذ نعومة أظافري والكتابة التي تعدُّ شوطا نحو إخراج معادن خالصة تجوب القيم الإنسانية بأبعادها العلوية والسفلية، لدي ما يقارب عشرون كتابا في عدَّة مجالات: الأكاديمية ،الأدبية والرؤى الفنيَّة خاصة ومن مختلف الديار، وفي مقدمتها دار ألفا للنشر والطباعة والتوزيع، دار الكتاب الحديث للنشر والتوزيع، دار أدليس بلزمة للنشر والترجمة، دار أحلام للنشر، دار الأمير للنشر والترجمة،وودار خيال للنشر والترجمة.
ذكرت عن عشرين كتاب كنت قد نشرتها عبر عدة دور نشر، حدثنا عن أعمالك الأدبية وعن تجاربك في النشر، ولما تعددت وجهاتك ولم تكتفِ بدار نشر واحدة؟
مراد نعمون: إن البريق العقلي والتفكير الإبداعي الذي أحاط مخيلتي وتصوراتي، والتي امتزجت بالأكثر بعمق الوجود وتركيبة الحياة وشطب واقع مرير لم يصب في قالب مبدأ وهدف إنساني يريد الدفاع عن نُصرة وطن بكل مقوماته، والذي خيَّب ظن إنسان ساند الفطرة والنظرة المتزنة لقضايا الحياة من منظور العدالة والواجب، وحيث تجلَّت في تلك اللَّذة التي ظلت كثمرة مختفية في متاهة باحثة عن عنوان أصل الحياة، لتتفتق ينبوعا من أحاسيس عاصفة وقوية جدا جرفتني كحبر سائل لا ينتهي من تخطيط حروف تريد أن تصقل إنسانا قائمٌ فعلاً بدوره ومسؤوليته نحو الحياة، ونحو البناء، متخذا عدَّة أمور في الحسبان من أجل ترقيع أي خلل أو تشوبه – إن كان في الإمكان إصلاحه فردا وجماعة – لم يكن الملاذ لحياة إنسان أراد أن يكون بلون الحياة أسودها وأبيضها. وعليه أحاول من خلال مؤلفاتي تعديد صفات إنسان وجد من أجل تحقيق شيئا من أناه بعيدا عن واقع إزدحم بمظاهر الزيف والقيود التي ادعت التحرر، وأهمل بناء العقل في تجديد و تغيير عديد المنطلقات، وبخاصة طرق معاصرة الواقع من نسيج يتخذه الإنسان كطريق نحو مسار إكمال وتطوير عديد الأمور من أبوابها المختلفة.
ابتدأ مشواري التأليفي لدى دار خيال للنشر والترجمة بثلاث كتب متمثلة في: «عصفر البحر في تزيين ذكريات الحزن» ،«أسوجة الأدب» و«محمد كلش فتى مدرسة الحياة»، والتي تعبر عن قاطرات تتماسك فيما بينها لعجن عناصر الهوية الإنسانية بالهوية الوطنية لأجل ربط كل مقومات التطور من نظرة إنسانية يحتل فيها الضمير والقيم كل العوامل التي من شأنها خلق ميزات بصبغة لونية تليق بإنسان يريد أن يواصل ثورته ونضاله، كذلك التأليف في مجال ماوراء الطبيعة من خلال لمسات تبين مدى قوة الإنسان إن تحلى بعناصر الصدق والأمانة، ومنها كتاب «رحلة نحو أوصاف النفس بصحبة جسد متعفنة» الصادر عن دار أدليس بلزمة للنشر والتوزيع، إضافة إلى كتاب «شجرة تنتظر شمسا»، «صبي عازم على حياة»، «رسالة معلم في الحياة» و«عامل بمقهى ناولني ملعقة » و التي تعتصر نكهة الحياة بألوان، وإن اختلفت فإن نزلتها تبقى تحت إيجابية عمل الإنسان وواجبه اتجاه غيره والوطن بمجموعة من إفرازات قدرية وأساليب الحياة، وكأنما أحاول أن أجدد لونا يعطي حقيقة الإنسان على وجه الأرض، وصولا بشكل نسبي إلى رسالة الله في الحياة، أضف إلى كتب أكاديمية والتي تهدف إلى توعية الطالب وإضفاء أسلوب معاصر ويسير يمكن أي طالب من إدراك وفهم مادته باتخاذ مجموعة من المبادئ التي تساند عمل وقدرة الطالب إن آمنا حقيقة أن لكل إنسان حق في ممارسة الحياة بطريقته، ومن أهم هذه الكتب منهجية وتعليمية وتدعيمية مثل «مفاهيم و طرائق أساسية حول منهجية تعليم ندوة في المالية»، «منهل الطالب الجامعي في سياق التعليم المنهجي-إقتصاد المؤسسة»، «مؤازر الطالب الجامعي سنة أولى في سياق التعليم المنهجي لمدخل إلى علم الاقتصاد»، «دور تكنولوجيا المعلومات في تحسين أداء تسويق الخدمات».
أما بالنسبة لدور النشر فأحب التعامل مع العديد منها بقصد تنويع مواقع الكتب الصادرة من مختلف الديار التي تتسم بالمصداقية والتعامل المرهف وحسن الاستقبال.
كونك أستاذ جامعي وكاتب فقد تنوعت مؤلفاتك بين الدراسات الأكاديمية والمؤلفات الأدبية، فأين يجد الشاب مراد نفسه، وفي أي المؤلفات يشعر أن قلمه سيال أكثر؟وحسب الأصداء التي تصلك ماهي الأعمال التي يفضلها قراءك بقلمك؟
مراد نعمون: إن ثقل الاحساس والعودة إلى خلف مستلهمة أطباق من لذة الذكريات والمعاني التي احاول فيها إعادة مشاهد تعطي للنص تركيبة شهية وإحساس أخرجه لتركيب بناء من باقة حروف قد تكون صلبة أو رطبة أو مرهفة أو حزينة أو متشعبة أو بسيطة، تتسم في العمق لتخرج للسطح به نضج عميق وبحلة جديدة في كل مرة، لأعبر فيها عن زوايا من أركان حجرة صغيرة وبتفكير كبير لكاتب جلس وتأمل وبعدها كتب. أما بالنسبة للكتب الأكاديمية، فإن شغفي بالعمل من ناحية الدور الحقيقي الذي أتيت له ولأجله وهو الطالب الجامعي الذي أحاول فيه مراعاة مستوى الطالب كونه فرد لبناء وطنه، وليس فقط فيما يتم حفظه أو أن الطالب مجرد امتحان ونجاح وفقط، ولكن اهتمامي بالطالب قد أخذ منحا آخر بأبعاد نفسية واجتماعية خدمة لعامل العدالة فيما بين مقدرة الطالب، و من خلال وعيي الجاد بما يعيشه الطالب في محيطه، وكذلك احتكاكي بالطلبة في دعمهم ومساندتهم ومعرفة مشاكلهم في مجال التعليم والاشراف، مما أكسبني معارف قوية في عديد التخصصات ومؤهل بذلك لتدريس أي مادة قد يراها الأستاذ المتخصص ليست في تخصصه، بينما أن الأستاذ الحقيقي في نظري قادر على تعليم أي مادة إن ساده الدفع والتعلم والتمكن كذلك، لابد من تغيير طرق ومواصفات أستاذ بقي تقليديا من دون تحرر نحو طبقات متناغمة مع عصر لا يحتاج إلى ذهنية أكل الدهر عليها وشرب، وكيف نحاول في الوقت الحالي أن نخلق ثمرة جديدة ومنهج السياق التعليمي بأسسه بعيدا عن مغالطات التعليم الجزائري.
وفيها يخصص أصداء الأعمال التي يفضلها القراءة أقول صراحة أن الأعمال الأكاديمية والأدبية التي تصدرها ديار نشر ماهي إلا حصيلة تفكير مثقل بالإحساس، وأنماط التفكير التي أحاول من خلالها نفع مجتمعي نظريا وتطبيقيا. إذ أن هدفي بالدرجة الأولى هو محاولة إعادة الإبحار في كنه الحياة لاستخراج كنوز فقدناها، ونحاول أن نعيدها من جديد آملين تغييرا في واقع بدى أرضا ملبدة، لكنها في الحقيقة أرض تحتاج لثمرة تكفي نبع خير شعبها ولو بالقليل أن رضينا بما قدره الله لنا في وطن يحتاج لتحرر لأجسد دورا تبادليا فيما بين ثورة الاستعمار وثورة التفكير والتغيير في إمداد قراءات تحررية جديدة تنطلق من مبدأ العمل.
معرض الكتاب الدولي سيفتح أبوابه قريبا، هل ستكون أعمالك حاضرة في أجنحته؟؟؟
مراد نعمون: معرض الكتاب الدولي فرصة جميلة لاتاحة التعريف بفكر الكاتب، وهو مساحة للتعارف في وسط المثقفين والكتاب، وإيجاد تفاعلات فيما بينهم من أجل إثراء منظومة الثقافة في بلادنا التي لا تحتاج لقوانين صارمة بقدر ما تحتاج لنهضة عقلية لفكر يريد أن يخرج لواقع، أوأن الكاتب يلعب دور الطبيب في إعداد نخبة من مواطن علم معنى حياته، وأن المشكلة لا تكمن في وضعية البلد بقدر ما تكمن في تغيير نفسية وذهنية الفرد، وصولا لعقلنة تحررية تمجد العمل والواجب، وتزيل المعيقات الكثيرة التي افتعلها المجتمع من جراء عديد الحكم والأمثال الشعبية التي غرست أخطاء سلوكية.
سأكون حاضرا بإذن الله بجناح دار رسائل بكتائب الموسوم «رأيت بسمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم برداء من إتكاء قمر أبيض»، وكتاب «ياموت خذني إلى حياة» الصادر عن دار الموج الأخضر للنشر والتوزيع,، أضف إلى ذلك دار ألفا بكتاب «إدارة التغيير».
هناك مقولة لأحد الأدباء الجزائريين تقول شعب يقرأ شعب لا يجوع ولا يستعبد، بالمقابل الواقع يقول أن المواطن الجزائري الذي يبحث عن لقمة العيش لا يمكن أن تغريه برواية أو ديوان شعري، بين ذاك وذاك، كيف يرى الأديب الأستاذ مراد نعمون مكانة الكتاب في الجزائر؟
مراد نعمون: علينا في هذه المسألة أن نجدد العهد ونثق في الكتاب، وأن نجد وسائل تعين المجتمع على رسالته قبل رسالة المثقف والكاتب النابعة من عمق ما يشاهده من خلال الكاتب نفسه وجهوده لسقاية المجتمع في الشارع أو مكان العمل، وبالتالي مهما اختلفت و تباينت الظروف تبقى المسرحية غائبة عن التمظهر الحضاري الذي من المفروض أن يتسلح به أغلب المجتمع، وهذا وإن دل فإن مشهد من فيلم «كرنفال في دشرة» والذي يصور حمارا داخلا إلى مركز الثقافة تشيد بمدى غفلة المجتمع بأهمية الثقافة، وأن الصراعات الأخلاقية تظل تحت أحد أجنحة طائر حلق ونزل إلى عشه من أجل إيواء صغاره.
نحن نعيش في عالم الرقمنة التي تفرض علينا مواكبتها سواء أحببنا ذلك أو أبينا، ووسائل التواصل سلاح ذو حدين، كيف يمكن لهذه الوسائل خدمة الكاتب، وهل لازال هناك مكانة للكتاب الورقي في ظل وجود النسخ الإلكترونية التي باستطاعك تحميلها في أي وقت؟
مراد نعمون: المشكلة الحقيقة لا تكمن في القديم والحديث، ولا تكمن في الكتاب الورقي والالكتروني، ولكن تبقى المشكلة المحورية في نمط التفكير وآليات إدارة ثقافة الجزائر بأشواط لن تسر قدما نحو الأمام، سوى من خلال فرص ضيقة ولا ألوم القانون على ذلك إن لم يتم تنفيذه في أوسع نطاق وفاعلية، إن كنا فعلا نحن رداء القانون في إظهار رونق العقل بميزات نعلمها كلنا ونتفق عليها جاهلا وعالما، ومن وجهة نظري فإن الكتاب الورقي يبقى الفصل الممطر لقارئ يريد أن يتصفح كلمات من ربيع عقل لا يهرم بجسد إن آمن أن الأمل والطموح والصبر والتحمل هو شعار أي إنسان طبق باستطاعته اتقاء الله تعالى، وأن نفهم معاني الرقمنة من بساطتها وطرق استغلالها التي من الممكن أنها قد صارت عبئا وأزمة لفرد جزائري لم يعي معنى الرقمنة ودورها، وعليه فإن العقل يبقى الرقمنة الطبيعية لفرد يسعى لمبدأ ولو لم يصل إلى هدف، مع الأخذ بعين الإعتبار إمكانية ودور الفرد، فما يصح اليوم يخطئه غدا والعكس صحيح، وأن الحياة لا تستقيم على شيء سوى من اقتنع به الإنسان وسعى نحوه ولو بدرهم كفى الجميع، و سعد وحقق مأربه ولو به عيوب وأخطاء.
لو منحت لك ورقة وقلم وطلبت منك كتابة رسالة أو وصية لأحدهم، ماذا ستكتب ولمن؟
مراد نعمون: سأحمل دمعة مسكين ويتيم وأروي عطش الورقة بمدى غياب الألفة والمشاعر والنية الحسنة، وأزخرفها بدم شهيد، وأنثر بحبر رحيق الأمل لمجتمع وإن هرب وضاقت به الظروف فإن أرضه ولابد أن تكون صفحته ودخره وانتماءه في خدمة ما عليه، متسلحا بالصبر ليجني رياح المحبة نحو جيل قادم لا نريده أن يكون تحت قصف فكري خادع.
ماهي مشاريعك الكتابية المستقبلية؟
مراد نعمون: تتمثل في المواصلة في إبراز ورسم القيم الإنسانية من محيط النفس المتعددة، متبحرا في مواصفات إنسان تغطى بأخلاق وسار على درب الوطن، حاملا علما به أمل لغد أفضل، مقتطعا مسافة قصرت أو طالت قصد استعادة نحت إنسان يريد أن يكون ظلا جميلا لشجرة أرادت أن تكون مثمرة، متخذا أي سبيل نحو تحقيق نصرة مجتمع وإن فشل فلن يستسلم وسيثابر من أجل تلوين دمعة إنسان استظل تحت أوراق شجرة ليرى ودق خير دمعته تحصد أمنية تحققت أخيرا على أرض الواقع.
كلمة أخيرة
مراد نعمون: الحياة منعطف بها ألوية وطرق يحاول الإنسان من خلالها أن يتضرع ويتوكل على ربه، معتصما بأي شيء لابد أن يرضى به ويسلم الأمر لخالقه. وهذا في مجاراة حياة لم تكن سلاحا نحو تهديم أو كسر بقدر ما كان الإنسان غزوة لفكر حوّل الحياة إلى صفحة من أهواء مجتمع بها قطعه أثرية نادرة من قيم وأصالة همشت ماوراء الجدران، ليحاول إنسان استخدم وعيه وجهده بإلهام إلهي حتى ما لا يكسر ما يجب أن يكسر، على أن يحجز بتذكرة من ملونات تبقى سيادتها من موقع تصوير ترك عديد المشاهد الحقة، وبعنوان لكتاب صار مجرد حشو لشكليات بمضمون به الكثير من التشوهات التي استخدمها ذاك الإنسان لصالح فطنة مجتمع، و الذي فيه التقط فتات القيم من وراء جدرانها، ليرميها نعمة على عقل يريد أن يقف ويتحرك ويحلل.