من اخبار الحمقى و المغفلين لابن الجوزي

✍️مسفر محمد الاكلبي – الرياض :

يَزخرُ التراثُ العربيُّ بالعديدِ منَ النصوصِ التي تؤرِّخُ للفكاهةِ والأخبارِ التي كانَ يَتناقَلُها الناسُ فيما بينَهم؛ يتندَّرونَ بها، وتَظهرُ فيها جوانبُ حياتِهم الاجتماعيةِ في قالبٍ ساخِر. وقد جمَعَ الفقيهُ والمؤرِّخُ «أبو الفرج ابن الجوزي» الذي عاشَ في القرنِ السادسِ الهجري/الحادِيَ عشرَ الميلاديِّ مجموعةً من تلكَ الطرائفِ والنوادرِ التي اختُصَّ بها الحَمْقى والمُغفَّلون،
و نذكر في هذا المقال جزء من كتابه في الباب الثاني و العشرون في ذكر المغفلين من المعلمين.
وهذا شيء قل أن يخطئ ونراه مطَّردًا ولا نظن السبب في ذلك إلا معاشرة الصبيان، وقد بلغني أن بعض المؤدِّبين للمأمون أساء أدبه على المأمون وكان صغيرًا فقال المأمون: ما ظنك بمن يجلو عقولنا بأدبه ويصدأ عقلُه بجهلنا، ويوقرنا بزكانته ونستخفه بطيشنا، ويشحذ أذهاننا بفوائده ويكل ذهنه بغَيِّنَا، فلا يزال يعارض بعلمه جهلنا وبيقظته غفلتنا وبكماله نقصنا، حتى نستغرق محمود خصاله ويستغرق مذموم خصالنا، فإذا برعنا في الاستفادة برع هو في البلادة، وإذا تحلينا بأوفر الآداب تعطل من جميع الأسباب، فنحن الدهرَ ننزع منه آدابه المكتسبة فنستفيدها دونه، ونثبت فيه أخلاقنا الغريزية فينفرد بها دوننا، فهو طول عمره يُكسِبُنَا عقلًا ويكتسب منَّا جهلًا فهو كذبالة السراج ودودة القز.

قال الجاحظ: كان ابن شبرمة لا يقبل شهادة المعلِّمين. وكان بعض الفقهاء يقول: النساء أعدل شهادة من معلم.

وقد روينا أن الشعبي قال سمعت أبا بكر يقول: مررت بمؤدِّب وقد تلا على غلام: «فريق في الجنة وفريق في الشعير». فقلت: ما قال الله من هذا شيئًا إنما هو: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير فقال: أنت تقرأ على حرف أبي عاصم بن علاء الكسائي وأنا أقرأ على حرف أبي حمزة بن عاصم المدني، قلت: معرفتك بالقراء أعجب وأغرب.

قال: حدثنا محمد بن خلف قال: قال بعض المُجَّان: مررت ببعض دور الملوك، فإذا أنا بمعلم خلف ستر قائم على أربعة ينبح نبح الكلاب، فنظرت إليه فإذا صبي خرج من خلف الستر فقبض عليه المعلم، فقلت للمعلم: عرفني خبرك. قال: نعم هذا صبي يبغض التأديب ويفر ويدخل إلى الداخل ولا يخرج، وإذا طلبته بكى، وله كلب يلعب به، فأنبح له فيظن أني كلبه فيخرج إليَّ فآخذه.

عن الكسائي قال: كان الذي دعاني أن أقرأت بالري أني مررت بمعلم صبيان يقرأ: «ذواتي أكل خمط وأتل» بالتاء، فتجاوزته فإذا معلم آخر قد ذكرتُ له ذلك فقال: أخطأ الصواب «وابل»، فدعاني أني أقرأت الصبيان.

قال الجاحظ: قلت لبعض المعلمين ما لي لا أرى لك عصا؟ قال: لا أحتاج إليها، إنما أقول لمن يرفع صوته أمه زانية فيرفعون أصواتهم وهذا أبلغ من العصا وأسلم.

قال: وقلت لمعلم: لِمَ تضرب غلمانك من غير جرم؟ قال: جرمهم أعظم الإجرام؛ يدعون لي أن أحج وإن حججت تفرَّقوا في المكاتب، فمتى أحج؟ أنا مجنون؟!

قال غلام للصبيان: هل لكم أن يفلتنا الشيخ اليوم؟ قالوا: نعم. قال: تعالوا لنشهد عليه أنه مريض، فجاء واحد منهم فقال: أراك ضعيفًا جدًّا وأظنك ستُحَمُّ، فلو مضيت إلى منزلك واسترحت. فقال لأحدهم: يا فلان يزعم فلان أني عليل؟ فقال: صدق واللهِ وهل يخفى هذا على جميع الغلمان إن سألتهم أخبروك، فسألهم فشهدوا فقال لهم: انصرفوا اليوم وتعالوا غدًا.

ضرب معلم غلامًا فقيل له: لِمَ تضربه؟ فقال: إنما أضربه قبل أن يذنب لئلا يذنب.١
قيل إن معلمًا جاء إلى الجاحظ فقال: أنت الذي صنعت كتاب المعلمين تعيبهم؟ قال نعم. قال: وذكرت فيه بعض المعلمين جاء إلى الصياد وقال: إيش تصطاد طريًّا أم مالحًا؟ قال: نعم. قال: ذلك أبله ولو كان فيه ذكاء كان يقف فينظر إن خرج طري علم أو خرج مالح علم.

قال الجاحظ: مررت بمعلم وصبيانه يتصافعون وبعضهم يصفع المعلم فقلت لهم: ما هذا؟ قال: يكون لي عليهم دَين فقلت له: ينسى ويقضى ولا أراه يحصل شيئًا.

قال: مررت بمعلم وقد كتب لغلام: «وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا وأكيد كيدًا فمهل الكافرين أمهلهم رويدًا.» فقلت له: ويحك! فقد أدخلت سورة في سورة. قال: نعم إذا كان أبوه يُدخل شهرًا في شهر فأنا أيضًا أُدخل سورة في سورة فلا آخذ شيئًا ولا ابنه يتعلم شيئًا

Related Articles

Back to top button