*يا رجل كيف يليق بك

✍️ صالح الريمي :

من أعظم النِّعمِ على الأبناء أن يكون الوالدان بين أيديهما أحياءً، فيصبحون يمسون وعينهم تهنأُ برؤيتهما، ويتلذذون بصحبتهما وبرهما، ويستمتعون بإرشادهما ونصحهما، ويفرحون بسماع دعائهما، ويستبشرون بوجودهما في حياتهم، فما أطيب العيش بجوار من أحسنوا إلينا، وما أهنأَ الحياة مع من تطيب الذكريات بوجودهما في حياتنا..
ومع هذا الفضل والأجر في وجود الآباء في حياة الأبناء إلا أن البعض من الأبناء هداهم الله في هذا الزمن حادوا عن طريق البرِّ بهما، ووصل بهم الأمر إلى تضييع حقوق الوالدين والإساءة إليهما وعقوقهما، وجحود فضلهما، واهمالهما، نسأل الله السلامة والعافية، فإذا ماتت القيم ماتت الروح، وشقيت النفس، وتعكر طعم الحياة، وضاع منك شرفك ورجولتك وكل شيء جميل فيك.

أنقل لكم قصة حصلت تفاصيلها لأبناء بلغ بهم العقوق مبلغه وهم أناس من بني جلدتنا ومسلمون يتجهون نحو البيت الحرام في سجودهم، يا لله ما كنت أظن أني سأبقى حتى أعيش في زمن يستغني فيه البعض عن مصدر حنانه..
قبل سنوات كنت في مدينة صنعاء، وفي صباح عيد الأضحى المبارك جاءني رجل عجوز مسن فوق السبعين تقريبًا، يخترق الناس وثوبه ممزق، حتى وصل وسلم عليّ وعانقني ودموعه تجري فأخفاها عنّي وأعطاني ورقة فيها رقم ولده الكبير، ولأول مرة أرى دموع رجل مسن في يوم العيد، ولا أظن أنها ستغيب عن مخيلتي ما حييت، لا تزال دموعه شاهدةً على موت القيم.

لقد صدمت وأصابني الذهول وبقيت صورة الثوب الممزق عالقة بذهني، قال ياولدي: عندي أربعة من الأبناء يقيمون في دولة خليجية، فاتصل بهم لعله أحدهم يفرحني في يوم العيد، فسألته عن حال أولاده فقال: منذ أكثر من عشرين سنة خارج اليمن ولا يسألون عن حالي إلا نادرًا، أما الكبير فكان يغلق تلفونه ويرده” مشغول” كلما اتصلت به، ثم بقي لا يرد على أي رقم غريب من اليمن، ثم لقن إخوانه العقوق أيضًا، والآن أنظر إلى حالي والله لا أجد ثوبًا ألبسه في صلاة العيد..
أخذت الرقم واجتهدتُ أن أتصل بولده فلم يرد، ثم كتبت له عدة رسائل أستجلب فيها رقته وعطفه وتحفيزه للسؤال عن والده في يوم العيد، فأخبرني بانشغالاته الكثيرة، وفي حال وجد وقتًا سيتواصل مع والده.

فأرسلت له هذه الرسالة عبر الواتس: (أخي الكريم لا أعرفك لكن أتساءل: يا رجل كيف يليق بك أن تسيء إلى من أحسن إليك؟ وتعق من كان سببًا في وجودك بعد الله؟ كيف تستبدل وفاءه بالجفاء، وحنانه بالشدِّة والأذى، وبالكرم بخلًا وقترًا، وبالرحمة قسوةً وعذابًا وهجرًا؟.
هلْ يعقل هذا بأن تفعل ذلك مع والدك الذي أحبك، وأحسن إليك في صغره وكبره، أَنسيت فضله عليك يوم كان يضعك بين أحضانه ويقبلك ويلاعبك؟ أَنسيت حنانه وعطفه ورحمته عندما كان يتحمل الأذى منك وينظر إليك نظرت المحبة والشفقة؟ أَنسيت من تعب من أجل أَن ترتاح، ومن سهر من أجل أن تنام قرير العين، ومن بذل من ماله من أجل أَن يراك من أحسن الناس؟ هل هذا جزاؤه منك بعد أن ضعف جسده ووهن عظمه ويحتاج من يخدمه ويقوم بشؤونه؟)، فلا أقول سوى لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

*ترويقة:*
في الزمن لقد نشأ جيل معلنًا التمرد بكل جرأة ووقاحة على القيم والأخلاق والمبادئ، أيها الأبناء تعلموا البر قبل أن يفلتوا من أيديكم والديكم وتلهيكم معالم الحضارة المعاصرة..
أيها العاق من تعبد؟ لا قيمة لعبادتك حتى تقرن طاعة الله ورسوله بطاعتهما كما قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا)، وسفرك في طلب الجنة بحث عن السراب كما صلى الله عليه وسلم: (إلزم رجليها فثم الجنة).

*ومضة:*
الحياة دين ووفاء، وسلف وجزاء؛ فمن برَّ والده برَّه بنُوه، ومن عقَّ والده عقَّه بنُوه وهجروه وقطعوه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بَرُّوا آباءَكم تَبرَّكم أبناؤكم).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى