ولا يوم الطين
✍️صالح الريمي :
أنقل لكم قصة حُب جمعت بين جارية أندلسية اسمها اعتماد الرميكي وأمير الأندلس آن ذاك محمد بن عباد، وقد وصل الحُب إلى درجات كبرى وهيام جعلت من الأمير بعد توليه الحكم وهي عادة أمراء الأندلس يغيرون أسمائهم بعد توليهم العرش، لكن الأمير محمد بن عباد اشتق لقبه الجديد من اسم زوجته وجعل من لقبه المعتمد بالله بن عباد أمير الأندلس نسبة لزوجته إعتماد..
وأُغرم المعتمد بن عباد بزوجته وفعل العجب في سبيل إرضاءها وتدليلها، حتى وصفت أفعاله اتجاهها بالعجب والإستحالة ليس مجازًا ولا مبالغة، فحبه لها فاق حدود خيال الرومنسية، وكان يقول لها الحياة من بعدك مستحيلة.
وكان دائمًا ينشد لزوجته هذه الأبيات:
يا قمرًا أصبح لي مالكًا
لاتتركني هكذا هالكًا
وفلدة الكبد التي ضمها
مبيتها الدهر بأوحالكًا
بهذه الأبيات وأخريات كان المعتمد يتغزل بمحبوبته ويتغنى بحبه لها، وحكى التاريخ قصة حُب خُلدت في بحر الهوى والعشق وضرب بها المثل في العالم العربي حول الحُب بين الزوجين.
في أحد الأيام رأت إعتماد زوجة الأمير من شرفة قصرها فتيات يغسلن الملابس في الوادِ ويلعبن في الطين، فاشتهت اللعب معهن بالطين، ومن دلاله لزوجته ملأ قصره بالطين تطيبًا لخاطر زوجته، ثم لم يسكب الماء العادي، بل سكب ماء الورد والعطور على الطين، ثم دعا زوجته لتلهو مع الجواري بالطين..
ودارت الأيام، وسقط حكم الأمير المعتمد ثم افتقر، ويومًا غضبت منه فاعتذر لها، فأقسمت أنها مارأت منه خيرًا قط!. فقال لها مُعاتبًا: ولا يوم الطين!. فاحنت رأسها واستحت واعتذرت، ولهذا قالت العرب في أمثالها: ولا يوم الطين؟ وأصبح يضرب به المثل في الجحدان ونكران الجميل، ولا زالت هذه العبارة تتداول بين الناس للدلالة على نكران الخير والجميل.
*ترويقة:*
على الزوج أن يعرف أن نكران زوجته لإحسانه إليها ساعة الغضب وهو طبع في المرأة، لأنها تنسى بسرعة كل الإحسان عند الغضب، ولكن بعد أن تهدأ تقوم بالاعتذار، ولا يعني أن إحسان الزوج ذهب أدراج الرياح، ولا يعني أن المعروف قد ضاع عند الزوجة، فقط هو مجرد طبع لا تملك المرأة منه فكاكًا..
وهذا لا يحتاج إلى كثير برهان، يكفي أن أورد لكم شهادة النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكنّ أكثر أهل النار، فقلنَ: ولم يا رسول الله؟ فقال: تُكثرن اللعن وتُكفرن العشير» وفي رواية أخرى شرح قوله يكفرن العشير «يحسن إليها زوجها دهرًا فإذا غاضبته قالت ما رأيتُ منك خيرًا قط»!
*ومضة:*
أجمل خُلق بين الزوجين الإعتراف بالجميل وعدم نكرانه، فإياكم وإياكم بنكران الجميل، وعلى المرأة ألا تدع هذا الطبع يسيطر عليها، فالجحود موجع سواء جحود الرجل لفضل المرأة عليه، أو جحود المرأة لفضل الرجل عليها، واشكر صنائع المعروف، وكن من الأوفياء، فإن الكريم يحفظ ود ساعة.
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*