أنا أعرف من هي
✍️ صالح الريمي :
الحياة الزوجية ليست شراكة اقتصادية تقوم على مبدأ الكسب والخسارة، ولا رفقة سفرة عابر، بل هي امتزاج روح بروح، ودم بدم، وهدم بهدم، ومستقبل واحد، وأسرة واحدة، ونعيم دائم إذا بقية بينهما مودة ورحمة، والحُب بين الزوجين هو شجرة غالية وعالية ومهمة وحساسة تحتاج إلى سقيا على الدوام..
ويا لجمال التعبير القرآني حين يصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ، والسياق يجعل الميثاق هنا لصالح المرأة، وأنها أخذته من الرجل، كما قال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}.
قال أحدهم: رأيت شيخًا طاعنًا في السن اقترب عمره من الثمانين عامًا، يذهب يوميًا لدار رعاية المسنين ليتناول طعام الإفطار مع زوجته، وكان منضبطًا في الوقت الذي يحضر فيه كل يوم، وسألته عن سبب دخول زوجته دار رعاية المسنين، فقال إنها مريضة بداء الزهايمر “ضعف الذاكرة”، مما سبب دخولها دار الرعاية، فسألته مرةً أخرى: هل ستقلق زوجتك لو تأخرت قليلًا عن موعد الإفطار؟؟
فأجاب إنها لم تعد تعرف من أنا! إنها لا تستطيع التعرف عليّ منذ خمس سنوات مضت، فقلت له مندهشًا: ومع هذا كله لازلت تأتي كل يوم لتتناول معها طعام الإفطار على الرغم من أنها لا تعرف من أنت؟ ابتسم الرجل، وقال: هي لا تعرف من أنا، ولكن أنا أعرف من هي!؟
على الجانب الآخر يقول أحدهم: ذهبت إلى مستشار أسري أشكو إليه أنني لم أعد أحب زوجتي، فماذا تنصحني؟ فرد عليَّ الطبيب: عليك أن تحبها، فقلت: أقول لك لم أعد أحبها وأنت تأمرني أن أحبها، قرد: نعم عليك أن تحبها، أقصد أن تقوم بأفعال الحُب، مثلًا أن تتصل عليها خلال اليوم الواحد عدة مرات، أن تبدي شوقك إليها، أن تهتم في بعض التفاصيل التي تحبها، أن تجهز لها هدية مهما كانت بسيطة حتى لو قطعة بسكويت أو شكولاتة بين حين وآخر، أن تمازحها وتمرح معها، أن تلتفت إلى ما تقوم به لأجلك بالشكر والعرفان..
يقول الرجل: فبدأت بتنفيذ أمر المستشار الأسري، وبعد حين من الزمن اكتشفت أنني أصبحت أخب زوجتي بصدق أوشتاق إليها حقًا، وصرت أتشوق لسماع صوتها، والأنس الحديث، أخيرًا أصبحت أحبها من جديد.
*ترويقة:*
الحُب ببن الزوجين ليس خيالًا غامضًا، ولا أمنيات طائرة، بل هو التدرج والخطو خطوة بخطوة، أو كما يقولون: “المحبة.. حبةً حبة”!
وكما قال الشاعر:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحدٍ
جاءت محاسنه بألفِ شفيعِ
*ومضة:*
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ، أو قال: غيره)، ومعنى: “لا يفرك” أي لا يبغض.
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*