الكاتبة/ سلوى بنت خلفان المقبالي
الكذب هو إحدى تلك الخطايا التي تتجاوز حدود الأخلاق والدين، ويُعتبر من أعظم الآثام التي يمكن أن يرتكبها الإنسان. في مختلف الثقافات والأديان، يُعتبر الكذب جريمة أخلاقية وروحية، ويُشار إليه دائمًا بأنه “أم الخطايا”. في حين أن الخطيئة في جوهرها فعل مرفوض، إلا أن هناك فرقًا كبيرًا بين الكذب وبقية الخطايا الأخرى.
العديد من الخطايا قد تُغفر بسهولة إذا كان الشخص يعترف بخطئه ويُظهر التوبة الصادقة. فمثلاً، السرقة يمكن أن تُغفر إذا أُعيد الحق لأصحابه، أو إذا كان الشخص يعترف بسرقته ويطلب العفو. وحتى الزنا، الذي يُعد من الخطايا الكبرى، قد يُغفر إذا تاب الشخص توبة نصوحًا وأظهر الندم الحقيقي.
لكن الكذب يختلف عن ذلك كله. إنه يُعتبر خيانة للأمانة والثقة التي يُفترض أن يكون أساس العلاقات الإنسانية. الكذب يدمر الثقة بين الناس، ويخلق جواً من الشك والخيانة. إنه ليس مجرد تضليل أو إخفاء الحقيقة، بل هو تلاعب بالواقع وتزييف للوقائع بهدف خدمة مصلحة شخصية ضيقة.
قال المتنبي:
إذا كانَ الكَذُوبُ يُجَازُ صدقًا
**فإنَّ الصِّدقَ منْهُ قدْ سَحَقْتُ**
فما بالك بالصدق إنْ أضْحى
**كذِبًا، وما بالك بالكذِبِ إذْ سَبقْتُ؟**
تاريخيًا، اعتبر الكذب “أم الخطايا” لأنه يشمل في طياته قدرة الإنسان على تشويه الحقائق، وتضليل الآخرين، وبالتالي فإن مغفرته تتطلب مواجهة الحقيقة أولاً والاعتراف بها. المشكلة في الكذب أنه غالبًا ما يؤدي إلى سلسلة من الأكاذيب الأخرى. فالكاذب يجد نفسه مضطرًا إلى الاستمرار في الكذب للحفاظ على القصة التي اختلقها، مما يزيد من تعقيد الأمر ويبعده أكثر عن الصدق.
يا كاذبًا لم تُبْقِ لِلصدقِ حُرمةً
**أدري وأعلمُ أنَّكَ اللّوْمُ تَستَحقُّ**
كذبتَ، وما تدري بأنّكَ إذ كذبتَ
**قد حَرَقتَ جسرَ الثقةِ وانهَدَّ ما بنَوكَ**
الرسائل الدينية والأخلاقية في معظم الديانات تحذر من الكذب وتحض على الابتعاد عنه. في الإسلام، يُعتبر الكذب من الكبائر التي تُورد صاحبها موارد الهلاك. ويُذكر في الحديث الشريف: “إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار”، مما يدل على خطورة هذه الخطيئة وآثارها الوخيمة على النفس والمجتمع.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن كل الخطايا قد تُسامح، إذا كان هناك توبة وندم حقيقيين، إلا الكذب، لأنه يتطلب بدايةً الاعتراف بالحقيقة، وهو ما يُعتبر أصعب خطوات التوبة. الكذب ليس مجرد خطيئة تُرتكب في لحظة ضعف، بل هو مرض أخلاقي يتطلب علاجًا نفسيًا وروحيًا. ومن هنا تأتي أهمية الصدق في بناء مجتمع قوي قائم على الثقة والاحترام المتبادل وكل العلاقات الإنسانية.