هل تموت دون شرفك
✍️ صالح الريمي :
الشرف قيمة سامية تعتلى سلم القيم الإنسانية والاجتماعية، فهو منظومة متكاملة من القيم المتشابكة والمتصلة ببعضها كالتفوق والقيادة والمروءة والإحسان والكرامة والنزاهة والأمانة..
وتعني كلمة الشرف سمو الأخلاق والمبادئ القويمة والقيم المثلى والفضائل الكريمة، وهى كلمة متأصلة وثابتة لا تتغير بتغير نوع الجنس، سواء كان رجلًا أو امرأة..
قرأت في العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي، أن “كسرى” زعيم الفرس كان في مجلسه، فقال لحاشيتة من وزراء ووجهاه: «يجب أن نصاهر العرب»، فإنتفض كل من حوله، وقالوا: «كيف لنا نحن الفرس أن نصاهر الحفاة العراه رعاة الابل؟!».
كان الفرس لديهم نظرة غرور، وينظرون إلى العرب نظرة فوقية – مثل اليوم العالم الغرب المتحصر ينظر إلى العرب على أنهم متخلفين -، سكت عنهم “كسرى” ولم يرد جدالهم، وكان “كسرى” ملكًا وكان فيلسوفًا وطبيبًا، وكان يلقب بأفلاطون الثاني..
وذات يوم بينما كان في مجلسه، جاء بصندوق وأخرج منه عقدًا لم يرَ مثله من قبل، فقد كان مرصعًا بالياقوت والزمرد وكل أنواع الحلي، يقال قيمته تعادل عشرون ألف دينار ذهبي، تعلقت أبصار كل من بالمجلس بالعقد الثمين، فقال لهم “كسرى”: «هذا العقد لمن ينزع ثيابه كما ولدته أمه أولًا».
ما هي إلا برهة من الزمن حتى صار كل من بالمجلس عراه كما ولدتهم أمهاتهم من وزراء ومستشارين وعلية الفرس، وصاروا يتجادلون في من له الحق في العقد الثمين، وكل منهم يقول أنا من نزعت ثيابي وتعريت أولًاً! خلص الجدال، وتحاكموا فيما بينهم على شخص لينال العقد الثمين، وأعطاه “كسرى” ذلك العقد..
بعد فترة من الزمن ليست بالطويلة قال “كسرى” لوزيره: «سمعت عن حداد عربيًا في المدينه، فأتوني به». جاء الحداد العربي، وهو متوجس يتملكه القلق، ولما دخل على “كسرى” وكان مجلسه ممتلئا كالعادة، قال له “كسرى”: «لا تخف وإنما جلبتك لأمر ينفعك».
وأحضر “کسرى” نفس الصندوق وأخرج منه عقدًا لا يقل جمالًا عن سابقه، فظن من في المجلس أن “كسرى” سيعيد الكرة، فوضع كل من في مجلس “كسرى” يده على ثيابه يتهيأً لنزعها طمعًا في العقد الثمين، لكن “كسرى” إلتفت للحداد العربي، وقال: «هذا العقد ثمنه عشرون ألف دينار هو لك، لكن بشرط أن تنزع عنك ثيابك كما ولدتك أمك».
فرد العربي قائلًا: «والله لو أعطيتني فارس كلها وجعلتني ملكًا عليها على أن أنزع عمامتي ما نزعتها»..
إستغرب كل من في المجلس من رد الحداد العربي، والتفت “كسرى” إلى وزرائه ومستشاريه ونظر إليهم نظرة إحتقار وازدراء، وقال لهم: «نحن الفرس نملك الملك والشجاعة، لكن ينقصنا الشرف الذي أردت مصاهرة العرب من أجله، لأن العربي يموت دون شرفه، فهل الفارسي يموت دون شرفه، أنتم بمجرد متاع من الدنيا قليل، تسابقتم بخلع ثيابكم كما ولدتكم أمهاتكم». انتهت القصة.
*ترويقة:*
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
هنا يقول المتنبي للإنسان عامةً أنك إذا دخلت في مُغامرةٍ وعرضت نفسك للخطر لطلب شرفٍ فلا تقبل بأية نتيجةٍ بسيطةٍ، ولا تقتنع بقدرٍ يسيرٍ أو قليلٍ منه. فطعم الموتِ في أَمرٍ صغيرٍ كطعمِ الموتِ في أَمرٍ عظيم، إذ لا فرق بين الموت في الأمرِ السهل الهين والموت في الأمرِ الصعبِ الشديد، لذلك لا بد من اختيار الشرف العظيم مهما كلفك من حياتك.
*ومضة:*
قال عليه الصلاةوالسلام: (منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ).
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*