كدت أن انتحر

✍️ صالح الريمي :

لماذا كلما جلس أحدنا مجلسًا وجد نفسه محاطًا بجو مليئًا بالكآبة والحزن؟ ولماذا أصبح الكثير يشتكي همومه وظروفه ومشكلاته؟ هل يظن البعض أن الدنيا نعيم دائم، لا كدر فيها ولا منغصات؟ ولهذا لا يظن أن من ضاقت عليه الدنيا وتقطعت به السبل أن الموت هو أفضل الحلول وأيسرها..
لكن نظرة المسلم دائمًا هي نظرة إيجابية ومختلفة عن باقي البشر، لأن يقينه بأن أمره كله خير إذا أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وجئتكم اليوم لأنقل لكم قصة فتاة كانت تريد الإنتحار بسبب بعض الظروف الصعبة التي مرت عليها، بداية تقول في رسالتها:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
“كنت بحاجة إلى مساعدتك، فقد راودتني فكرة الإنتحار أكثر من مرة، ولو اشتد بي الإكتئاب قليلًا لكنت مضيت في تنفيذها”، لكن سبحان الله كلما أقرأ كتاباتك أشعر بالارتياح الكبير والخجل من نفسي، وأن الدنيا مازالت بخير..
المهم اليوم أنا أرسل لك هذه الرسالة وحالتي النفسية لا يعلم بها إلا الله، وأشعر بحزن شديد جدًا كاد أن يخنقني، بالرغم أنني كنت مصدر الإيجابية والتفاؤل لمن أعرف، لكن تغير حالي وبت لا أشعر بطعم الحياة، ولا أشعر بطعم العبادة، كنت حين أدعو الله، أدعوه بيقين وفرح، أتلو القرآن بكثرة وسورة البقرة يوميًا، وأذكر الله كثيرًا، كنت أشعر برضا تام بحياتي، ولله الحمد.

أما الآن انقلبت حياتي رأسًا على عقب، أبكي كثيرًا معتزلة في غرفتي، أشعر بأني لست راضية عن حياتي، أقارن نفسي بالآخرين كثيرًا، آه آه كم أتألم، لا أشعر بنجاح في حياتي، ولا أحد تقدم لخطبتي ولا يتكلم فيّ، وهذا الجانب يؤلمني كثيرًا..
أخواتي وصديقاتي تزوجن، حتى دخلت في دائرة مغلقة، لا أعرف كيف أخرج منها، أشعر بنفسي مليئة بالسلبية والاحباط الشديد واليأس الذي كاد أن يدمرني ويقتلني، صدقًا اتمنى أن انتحر لكن خوفي من الله يمنعني من ذلك، فماهو الحل؟

بسم الله والحمدلله على كل حال وصلى الله على أحسن الخلق محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أختي الكريمة إن الإنسان يتقلب ويتغير حاله من حال في غمضة عين، وهذه طبيعة الحياة، فهي ميدان للابتلاء والاختبار، وعلينا أن ندفع أقدار الله بأقدار الله، فنفر من قدر الله تعالى إلى قدر الله..
ونصيحتي لك في البداية الأمر أن تتعرفي على نساء صالحات وفتيات طيبات تحاولين قضاء وقتكِ معهن فيما ينفعكِ من أمر دينكِ أو دنياكِ، فإن هذا يكسر حاجز العزلة ويقدم لكِ مهارات ومنافع كثيرة.

ثم لا تقارني نفسكِ بالآخرين إلَّا في خصال الخير، ليكون ذلك باعثًا لكِ وحاثًّا على أن تفعلي من الخيرات ما تدركينهم به، أما ما أتاهم الله تعالى من متاع الدنيا والأرزاق من زواج وغيره، فينبغي أن تنظري إلى من هم أقل منكِ شأنًا من أمور الدنيا، وتفكري وانظري إلى أحوال المصابين بأنواع المصائب لتعرفي مدى نعمة الله تعالى عليكِ، وهذه هي وصية نبوية في أحوال الناس في الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)..
وإذا تأخّر عنكِ شيء من متاع الدنيا فاعلمي أنه خير لكِ، فاختيار الله خير من اختيار العبد والله يعلم وأنتِ لا تعلمين، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

*ترويقة:*
أخي الغالي: لا أدري ماذا أخط أو ماذا أكتب أو ماذا أقول، فكلماتي تقف عاجزة وخجولة أمام عباراتك التي ارسلتها لي ونظرتك الجميلة للحياة وقراءتك الرائعة والإيجابية للظروف، وتفاؤلك للمشكلات التي واجهتني..
وبفضل من الله ثم كلامك الحسن خرج قلبي من ظلمة إلى نور ومن يأس إلى تفاؤل وحياة جميلة، ربي يوفقك ويفرح قلبك وينجحك ويحقق مناك ويسر أمرك ويهون عليك كل صعب يارب ويسعد قلبك”.

*ومضة:*
أيها المهموم تذكر معي قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى