قصة بداية النهاية

✍️ صالح الريمي :

عام بأكلمه مضى من حياتنا، وها نحن اليوم سنصافح عامًا جديدًا، فجال في خاطري سؤال عجيب أين أنا وأنتم بعد مائة عام من اليوم، ونحن نرى أعمارنا تودع يومًا وتستقبل آخر، ونودعه كما ودعنا الذي قبله، وهكذا حتى تنفد أيامنا..
بالأمس وقفت أتأمل غروب شمس آخر يوم من العام، متأكدًا أنه لن يعود وقد طويت صحائفه وحفظت، فأعمارنا إلا عددًا من السنوات فكلما طويت واحدة قربتنا من أول منازل الآخرة وهو القبر.

أكتب كلماتي وأعلم أنني لن آتي بجديد أو أضيف معلومة جديدة لديكم، ولكن هي خلجات نفس ومشاعر إنسان أبثها في خربشات أسطري المتواضعة، لعلي أن أنتفع بها وينتفع بها غيري، أكتب وقد غابت شمس آخر يوم من العام..
أكتب قصة بداية النهاية بعد أن انتهت قصة عام كامل من عمري وأعماركم، لأقدم لي ولكم واجب العزاء في عام انصرمت أيامة وتقطعت حباله ومرت لحظاته دون أن نشعر، ومر العام بسرعة فائقة بمرور الأيام وأفول الساعات وانقضاء الدقائق وتفاني الثواني.

عام جديد أطل علينا إطلالة جديدة، فيها من الفرح والحزن تعبيران مختلفان، يناقض بعضها بعضًا، فنظرة الفرح ما هو إلا تفاؤل كي نستغل أيامنا وساعاتنا في طاعة الله عزوجل، ونظرة الحزن إنما تذكرنا بأن الدنيا هكذا..
فلنتحسر على عام مضى ومواسم خير مرت دون عمل، وساعات طوال أضعناها دون فائدة، ودقائق مرت دون أن نستغلها بتسبيحه أو تحميده.

رحل العام، ورحل معه آخرون، رحل شخص كان يبني المجد، وآخر يبحث في هوى النفس، وكلاهما رحل، رحل رجل بنى بعروسه ولم يدخل بها، وآخر بدأ في بناء بيته ولم يسكنه، وثالث ينتظر وظيفته أو تخرجه لكنه رحل، ورابع رحل دون إكمال أحلامه، وخامس وسادس كلهم رحلوا وهم غارقون في الأمنيات، لاهون في معترك الحياة، كانوا يأملون أن الحياة أفسح من أحلامهم، وأكبر من أمنياتهم..
نسى هؤلاء ونحن كذلك أن الدنيا أضيق من ثقب أبره، وأنها مليئة بكثير من المفاجآت، رحلوا ولا زالت أيديهم لم تمتلئ من الدنيا بعد، ورحل من هؤلاء من سطّر كلمته وكتب اسمه بحروف من ذهب وأشهد التاريخ أنه مر في ذاكرة الأيام وهذه آثاره ورحل آخرون دون أن يعرفهم أحد، ولدوا صغارًا، وعاشوا صغارًا.

واليوم هي فرصة ومنّة من الله علينا مع بداية العام الجديد بأن نعقد العزم على اغتنام بقية العمر، فكم سوّفنا؟ وكم أخرّنا من أعمال صالحة ولو عملناها فيما مضى لكان خيرًا لنا؟ كم أخَّرنا التوبة الشاملة؟ كم أخَّرنا التوبة عن بعض الذنوب؟ كم أخَّرنا مشاريع عظيمة لو فعلناها لكان لنا شأنًا عظيمًا؟ كم وكم وكم؟؟
مع بداية العام جدير بنا أن نفكر في مشاريع تبقى لنا بعد الممات فنسعى في وقفٍ لأنفسنا ولو بشيء يسير، وأن نسلك سبيل الجد والتخطيط والترتيب لحياتنا الدنيوية وآمالنا الأخروية، لتكون هناك ثمرة مشرقة تبني لنا مجدًا في دنيانا وآخرتنا.

*ترويقة:*
قيل أن الطعام سعادة يوم، والسفر سعادة أسبوع، والزواج سعادة شهر، والمال سعادة سنة، والعمل سعادة العمر كله، فلن تسعد بالنوم ولا بالأكل ولا بالشرب ولا بالنكاح، وإنما تسعد بالعمل الصالح، فهو الذي أوجد للعظماء مكانًا في الدنيا والآخرة..
لننظر لغد ماذا نعمل فيه، ولا نتأمل ماذا فاتنا من عمل، فالماضي لا يعود، وأنت الذي تلون حياتك بنظرك إليها بكل إيجابية، فحياتك من صنع أفكارك، فلا تضع نظارة سوداء على عينيك.

*ومضة:*
هل استحضرنا جميعًا نعمة البقاء ومنّة التمكين بالعمل قبل انقطاع آجالنا وآمالنا؟ فلنتذكر هذه النعمة بالعمل الصالح قبل أن يُحال بيننا وبين العمل كما قد حيل عمن مات قبلنا.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى