حالات نادرة تخترق نواميس الكون
✍️ منصور بن جبر :
خلق الله الكون بإتقان محكم، وفق نواميس دقيقة، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}. {لا الشمس ينبغي لها أن تُدرك القمر، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون}.
لكن خالق هذا الكون يخرق قوانينه إن أراد، في حالات خاصة، وظروف محددة، ولحكمة يريدها.
فهذا طوفان يعم الأرض لما قال نوح: {ربِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}.
والنار المحرقة في كل قوانين الفيزياء والكيمياء والأحياء تصير بردا وسلاما. {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ}.
وعصى موسى تتحول إلى ثعبان حقيقي يلتهم ثعابين السحرة، ويضرب بها البحر فيشقه الله حتى يصبح كل فِرق كالطود العظيم.
والجبال والطير تسبح مع داوود.
والعفاريت والجن والشياطين تخضع لملك سليمان، بل يعلمه الله منطق الطير والحشرات والنمل، وتجري الريح بأمره رُخاءً حيث أصاب.
وعيسى يُولد بلا أب، وينطق في المهد، ولما شب صار يبرئ الأكمه والأبرص بل ويحيي الموتى بإذن الله، ويصنع من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله.
بل من خَرْقِ الله لنواميس الكون المحسوسة والملموسة أنه في حالات نادرة أحيا أناسا من الموت وهم في الدنيا.
فهذا رجل مر على قرية خاوية.. {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ}.
وإبراهيم عليه السلام ليزداد يقينا من أن الله يحيي الموتى {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا}.
وبنوا إسرائيل يقتلون نفسا فيأمرهم الله بأن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها فيحييه الله ليخبرهم بمن قتله {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
وأخبر عن أناس خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم ثم أحياهم. قال ابن عباس كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}.
وأهل الكهف ينامون 309 سنوات، ثم ينهضون يظنون أنهم ناموا يوما أو بعض يوم. {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}.
وهكذا لو تأملت في الكون وأسراره، والمخلوقات وعجائبها، سترى ما يدهش عقلك، ويحير لُبَّك، ويجعلك مذعنا مستسلما لقدرة الله وملكوته، وحكمته وجبروته.
إنها حالات نادرة خارجة عن المألوف ونواميس الخَلق، يقدرها الله في الدنيا ليعلم الناس أن الله هو الذي خلق هذا الكون، وهو الذي قدر أسبابه، وكتب ما فيه، وأنه قادر على أن يغير الأسباب، ويبدل الأحوال، ويجعل اللا معقول في نظر الناس معقولا، والخيال حقيقة، والصعب سهلا، والمستحيل ممكنا.