حوار مع الفنان الجزائري نضال الملوحي

حوار مع سمير ...

• أجرى الحوار: سمير تلايلف


• الفنان الجزائري نضال الملوحي أهلا بك معنا من خلال هذا الحوار، بداية لو قلت لك فيلم «زهرة اللوتس» والمخرج الراحل عمار العسكري، بما أُذكِّرك



نضال الملوحي: السلام عليكم، يعتبر فيلم «زهرة اللوتس» تجربتي السينمائية الأولى ويرجع الفضل في ذلك للمخرج الجزائري عمار العسكري رحمه الله، كنت آنذاك في 23 من عمري وكنت أنشط في المسرح، شاهدني عمار العسكري في مسرحية «إتجاه حفرة شيكاغو» بالمسرح الجهوي بوهران، حين انتهى العرض تقرب مني واقترح علي دخول عالم السينما إن كان يروق لي ذلك، فوافقت مباشرة، ولحسن حظي اقترح علي الدور الرئيسي في فيلمه «زهرة اللوتس» وهو دور «علي لاندوشين»، فخضت المغامرة ودخلت عالم الفن السابع من أوسع أبوابه، فأن تبدأ مشوارك السينمائي بدور رئيسي هذا في حد ذاته خطوة عملاقة وكبيرة، الفيلم كان تجربة سينمائية مهمة في مساري الفني، فقد كان لي فيها احتكاك مع فنانين فيتناميين وفرنسيين، وقد دام التصوير ستة أشهر، أربعة منها في الفيتنام وشهرين في الجزائر في كل من سعيدة وڨالمة، لذا أقول أنها كانت تجربة كبيرة أكتشفت من خلالها عالم الفن السابع، خاصة وأنا في ذلك السن الصغير آنذاك، ومن ذلك الوقت انطلقت في أفلام أخرى بالموازاة مع المسرح كذلك.


• سمعنا أن الفنان نضال الملوحي كانت له أدوار في مسلسلات وأفلام مصرية، هل هذا الخبر صحيح، وماذا أضافت لك هذه التجارب؟


نضال الملوحي: أنا مقيم في فرنسا، ولم يكن لدي أدوار في أفلام ومسلسلات مصرية للأسف، لكن كانت لدي تجارب في أفلام فرنسية وبلجيكية وسويسرية وفرلندية، وكان لي الحظ أنني تعاملت مع مخرجين من جنسيات أخرى حتى من الجنسية المنغولية، جئت فرنسا لاكتشاف عوالم فنية أخرى وهو الهدف الذي جعلني أغادر الجزائر في عام2001، جئت لأتعلم ولأطور مهاراتي، فبمجرد دخولي الأراضي الفرنسية درست في مدرسة«Chaillot» في باريس، وقدمت في ماستر كلاس في تخصص التهريج والتمثيل والكوميديا والمسرح الكلاسيكي … إلخ، هذا سمح لي تقديم أعمال مع مخرجين من مدارس مختلفة في المسرح والسينما والتلفزيون والحمد لله.
الأفلام والمسلسلات المصرية لم يحصل لي الشرف الخوض في غمارها، ربما مستقبلا لما لا إن شاء الله، كنت التقيت سابقا وبالتحديد سنة 1999م مع المخرج المصري الراحل يوسف شاهين في مكتبه بالقاهرة، وكان ذلك في مهرجان القاهرة السينمائي عندما ذهبنا أنا والمخرج عمار العسكري رحمه الله لتمثيل الجزائر في التظاهرة بفيلم «زهرة اللوتس»، دام لقائي مع يوسف شاهين قرابة الساعتين وطلب مني البقاء في مصر لأن في الجزائر الإنتاجات السينمائية قليلة بمقارنتها مع أم الدنيا مصر، طلب مني البقاء واقترح أن اشتغل معهم وعرّفني آنذاك بالمخرج خالد يوسف، حيث كان هناك مشروع فيلم مقتبس من إحدى روايات الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، لكن لم أستقر بمصر رغم كل الإغراءات ورجعت لبلدي الجزائر العزيزة لأنها كانت بحاجتنا ذلك الوقت، كان وقتا صعبا لكننا استطعنا تمثيل الجزائر أحسن تمثيل في المحافل السينمائية آنذاك من خلال فيلم «زهرة اللوتس».

بقيت في الجزائر ثلاث سنوات لأشد الرحال بعدها إلى فرنسا، حيث ذهبنا لتمثيل الجزائر بمسرحية «هابيل وهابيل» لحميدة العياشي وإخراج عزالدين عبار، ومن يومها وأنا مستقر بفرنسا وبالتحديد في مدينة باريس التي واصلت بها مساري الفني الذي حدثتك عنه من قبل.


• إضافة إلى ما ذكرنا، فقد قدمت عدة أدوار سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون، أين تجد نفسك أكثر من بين هذه الفنون


نضال الملوحي: الحمد لله فقد قدمت عدة أدوار مختلفة في المسرح والسينما والتلفزيون، لكن يرجع الفضل للمسرح الذي بدأته وأنا صغير سنة 1986م، لذلك لا أستطيع نسيان حبي الأول وهو المسرح، فأنا أجد نفسي كثيرا في اعتلاء خشبته، وأجد روحي شغوفة ومسرورة كلما قدمت عرضا مسرحيا.

صحيح لا نستطيع المقارنة بين الفنون الثلاث (مسرح، سينما، تلفزيون)، فلكل من هذه الفنون شغفه الخاص، لكن يبقى أبو الفنون المسرح هو حبي الأول والكبير.


• في التلفزيون مؤخرا كنت أحد أبطال سلسلة الرمضانية «البطحة 2»، حدثنا عن هذه التجربة؟


نضال الملوحي: عدت للشاشة الصغيرة الجزائرية في رمضان 2024م بعد غياب 19 سنة تقريبا، وهذا من آخر عمل قمت به في 2005م الذي كان مسلسل «أشواك المدينة» للمخرج علي عيساوي والسيناريو الذي كان للفنان كريم بودشيش، أذكر أن دوري كان تجسيد شخصية المفتش جمال، والمسلسل كان من 20 حلقة.
عودتي هذه السنة كان بفضل المخرج المتميز وليد بوشباح، حيث كان لي الحظ أني اشتغلت مع أفضل الممثلين منهم نبيل عسلي ونسيم حدوش اللذان كتبا سيناريو حلقات سلسلة «البطحة 2»، كنت التقيت مع المخرج وليد بوشباح في باريس حين جاء لفرنسا من أجل عرض عمل فني، وسألني عن عودتي من أجل التمثيل في الجزائر، كنت قلت له أنا مستعد للعودة متى كانت هناك عروض جادة، وهنا أفتح قوس لأخبرك أنه جاءتني بعض العروض سابقا لكن لم نتفق مع الجهات المنتجة بسبب ضيق الوقت، فعادة ما يتصلون بك في الدقيقة الأخيرة إن صح التعبير، وفي بعض الأحيان أكون مرتبط بأعمال فنية هنا في فرنسا.
شرطي الوحيد لقبول العمل هو العمل في ظروف ملائمة باعطاء متسع من الوقت حتى يستطيع الفنان العمل بأريحية، إضافة للعمل الفني في حد ذاته، فحين يكون مكتوب بشكل جيد وفي يد مخرج متمكن ومع فنانين جيدين فأنا مستعد لخوض غماره، وهذا هو مطلبي فقط.
أعود لسلسلة «البطحة 2» لأقول أن الجهة المنتجة في السلسلة كانت محترفة وأعطتني تواريخ التصوير سابقا، كما منحتني السيناريو لقراءة دوري جيدا الذي كان دور «السي مصطفى» ومنحتني الوقت الكافي لمراجعته جيدا، فكانت الظروف ملائمة للعودة إلى التلفزة الجزائرية.
دور السي مصطفى لم يكن دورا رئيسيا لكنه كان دورا محوريا وهذا الذي جذبني إليه، فقد كان المحرك للقصة تقريبا في أغلب الحلقات، أنا فعلا سعيد بهذا العمل الجميل الذي كان رائعا في كل المقاييس سواء من حيث السيناريو والإخراج والصورة والأداء المحترف لجميع الممثلين، وهذا ما جعله يكون أحسن عمل في رمضان 2024.

دون أن أنسى فقد كان لي دور آخر أيضا في مسلسل إسمه «رؤيا» للمخرج نصر الدين السهيلي لكن للأسف لم ينجز المشروع لأسباب إنتاجية بحتة.


• سينمائيا كذلك، كنت أحد أبطال الفيلم السينمائي الكبير «بن مهيدي» للمخرج بشير درايس، حدثنا عن دورك في العمل، وكيف وجدت التعامل مع المخرج بشير درايس؟


نضال الملوحي: أعتبر دوري في فيلم «بن مهيدي» مهم جدا في مسيرتي الفنية، فقد جسدت دور شخصية كبيرة وهي شخصية الشهيد «عبان رمضان»، وهي شخصية قوية وبارزة في الثورة الجزائرية، وهي ليست الشخصية التي كنت سأتقمصها في بداية الأمر، بل كنت سأتقمص شخصية «أحمد بن بلة»، فالمخرج بشير درايس لما حدثني في بداية مشروع الفيلم اقترح لي تقمص شخصية «بن بلة» كما ذكرت، وهذا عند مجيئه لفرنسا في إحدى المهرجانات التي كان فيها عضوا في لجنة التحكيم وشاهدني في فيلم فرنسي آنذاك، تحدثنا عن الدور واتفقنا، وهنا أفتح قوس كذلك لأقول أنني كنت قد سمعت بسيناريو الفيلم الذي كانت قصته طويلة، تقريبا من سنة 2010 أو 2012، فالفيلم عرف بعض المشاكل بسبب التمويل، لكن المخرج بشير درايس كان رجل صنديد ووقف عليه حتى خرج الفيلم وعرض للجمهور في 4 مارس الماضي بأوبرا الجزائر.
بالعودة لدوري في «بن مهيدي» الذي تحوّل من تجسيد شخصية «بن بلة» إلى «عبان رمضان»، فقد تفاجأت حين كلمني مساعد المخرج نجيب أولبصيرل يخبرني بأن المخرج يراني أكثر في شخصية «عبان رمضان» والحمد لله أقنعتهم وكنت عند حسن ظنهم.


كنت منبهر بالدور الذي كان كبيرا وشخصية قوية وذات كاريزما متفردة، وبما أننا لا نملك معلومات كافية عن الشخصية بحيث لا يوجد وثائق أو فيديوهات كثيرة عنها، فقد كان الأمر صعب بعض الشيء، لكن الله وفقنا والنتيجة كانت رائعة. بالمناسبة أشكر المخرج الذي وضع ثقته في شخصي على أكون أحد أبطال هذا الفيلم الجميل.

كنت أعرف بشير درايس منذ زمن، لكن كنت أعرفه كمنتج، لكن من خلال «بن مهيدي» عرفت بشير المنتج والمخرج، فلما نشاهد الأستوديوهات في تونس ونشاهد مدينة بسكرة مجسدة من الألف إلى الياء في ديكورات ضخمة، ونشاهد التقنيات والمعدات الحديثة والفريق التقني الذي يعمل باحترافية عالية، وكل الممثلين الذين كانوا في القمة، لا يمكن إلا أن نتنبأ بجودة الفيلم ونجاحه، وباستطاعته أن يجول كل المهرجانات، وقد شاهدناه فعلا مؤخرا في مهرجان عنابة وسطيف وباتنة، وعن قريب في سعيدة، وفي أكتوبر المقبل سيكون إن شاء الله في جميع القاعات السينمائية الجزائرية إذا توفرت الإمكانيات، لأننا نعاني صراحة من مشكل غلق القاعات ونقص في الأجهزة اللازمة للعرض، فنحن في سنة 2024م ويجب توفير جهاز dcb حتى يتمتع الجمهور والمتفرج وهو يشاهد الفيلم. أتمنى التوفيق في توزيع الفيلم داخل وخارج الوطن إن شاء الله.


• ركزت السينما الجزائرية على إنتاج الأفلام الثورية الجزائرية بدعم من وزارة المجاهدين، وهي أفلام وثقت لفترة تاريخية مهمة بالجزائر، بالمقابل نجد شح في إنتاج أفلام سينمائية تحاكي الواقع، في رأيك لما يعود ذلك؟


نضال الملوحي: نعم هذا صحيح، وهذا جيد، فنحن لدينا تاريخ خالد ومشرف، ومن الجيد إنتاج أفلام عنه، وهذا بتمويل من وزارة المجاهدين، وهنا يجدر الإشارة أن الجزائر البلد الوحيد الذي رئاسته خلقت منصب مستشار لرئيس الجمهورية متخصص في السينما والذي يديره حاليا المخرج أحمد راشدي.
نحن باستطاعتنا إنتاج كلا النوعين من الأفلام أي الأفلام التاريخية والأفلام الواقعية والخيالية، لكن ما أراه شخصيا عدم وجود توازن في إنتاج هذين النوعين من الأفلام، حتى الأفلام التاريخية كان في مشروع أحمد راشدي إنتاج 20 فيلم لكن هناك بعض الأفلام لم ترى النور لغاية هذه اللحظة نتمنى مشاهدتها عن قريب لأننا سمعنا عن أفلام لا تزال تصور.
للإشارة في 2018 كنت قد جسدت دور ثانوي في فيلم «صوت الملائكة» وهو فيلم يحاكي واقع الشباب وانغماسهم في تناول المهلوسات ودخولهم عالم الضياع في المجتمع.
كما قلت لا يوجد توازن بين إنتاج الأفلام الثورية مقارنة مع الأفلام التي تحاكي الواقع الحالي والأفلام الخيالية. مؤخرا سمعنا بأناس وضعوا ملفات لأفلام خيالية وأخرى تحاكي الواقع، فأعطوهم ميزانية قليلة وضعيفة تصلح لأفلام قصيرة.

للأسف أظن أننا محتاجون لمثل هذه الأفلام التي تحاكي الواقع، فالتاريخ يمكن متابعته من خلال الأفلام الوثائقية أو سماعه من المؤرخين، لكن حكايا الواقع والمجتمع لا يمكن معاجته إلا بطريقة فنية من خلال الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والعروض المسرحية، حتى الجمهور الذي لاحظناه في المهرجانات وعند أي عرض سينمائي أو مسرحي نجده متعطش لهاته الأعمال الجزائرية التي تحاكي واقعه ويجد نفسه في مشاهدتها. لذا يجب توفير ميزانية محترمة من أجل إنتاج الأفلام السينمائية الجزائرية سواء التاريخية أو الخيالية أو الواقعية حتى تكون في مستوى التطلعات.


• عرفت الجزائر في الأيام القليلة الماضية تنظيم مهرجانين سينمائيين بعنابة وسطيف، برأيك هل نحن بحاجة إلى مهرجانات أم إلى إنتاج أفلام من أجل النهوض بالقطاع السينمائي في الجزائر؟


نضال الملوحي: نحن بحاجة إلى الإثنين معا، لأننا نعيش صحراء ثقافية قاحلة، كما قلت نحن محتاجون للمهرجانات والإنتاجات، لكن محتاجون للإنتاجات أكثر لأنها أهم من المهرجانات، فإن لم تكن هناك إنتاجات فلا وجود للمهرجانات، وخير دليل ما نلاحظه في مهرجان كان الدولي للسينما هذه الأيام في الجناح المخصص للجزائر في سوق الأفلام هو غياب الأفلام الجزائرية أي لم ننتج أفلام جديدة، حتى فيلم «بن مهيدي» الذي يعتبر جديدا بالنسبة للجمهور كونه عرض مؤخرا كان قد أنتج منذ 8 سنوات، وهذا يؤكد كلامي، فمن غير المعقول تنظيم مهرجانات في الجزائر بدون مشاركة أفلامنا فيها.

في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي كانت الجزائر حاضرة بفيلمين، حصل أحدهما على جائزة، إذن لا مهرجانات بدون إنتاجات، لهذا يجب منح ميزانية أكبر للانتاجات السينمائية من جهة، وتنظيم مهرجانات تكون في مستوى هذه الأعمال من أجل عرضها، لذا قلتها وأكرر الجزائر بحاجة للإثنين معا حتى ننهض بالمشهد السينمائي في الجزائر.


• كنت أحد ضيوف مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، كشاهد عيان للحدث، كيف وجدته، خاصة في ظل الجدل القائم حوله من ناحية التنظيم؟


نضال الملوحي: نعم كنت ضيف مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، وكنت ضيف كذلك في مهرجان سطيف الدولي للفيلم القصير، أنا لم أكن شاهد عيان بل كنت مشارك بفيلم «بن مهيدي» الذي عرض لأول مرة في عنابة، وجئنا لتقديمه وحضور الندوة الصحفية لمناقشته، كان لي شرف تقديم الفيلم في كل المهرجانات وكل العروض.
حقيقة ما لا حظته كان التنظيم في عنابة وسطيف في أعلى مستوى، لأنه كان تنظيم معاصر، فالمنظمون كانوا شبابا سواء في عنابة أو سطيف، رغم وجود بعض النقائص وهذا أمر طبيعي، فكل المهرجانات في العالم توجد فيها بعض النقائص، عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بعد انقطاع لسنوات هذا في حد ذاتها شيء إيجابي، ما لاحظته كذلك أن القائمين على المهرجان لديهم طموح كبير من أجل رفع المستوى وجعله عالميا، إن شاء الله سنشاهد ذلك في الدورات المقبلة وتدارك النقائص، أقول أتركوا الناس تعمل ولا تكسروا عزيمتهم فهم شباب يستحقون الدعم والمساندة.

الجزائر بحاجة لمثل هاته المهرجانات سواء في السينما أو المسرح أو الموسيقى….إلخ، ولما لا تكون مهرجانات ونشاطات طوال السنة.


• هناك أسماء كثيرة في الساحة الفنية الجزائرية، منهم من درس الفن ومارسه، ومنهم من صنعته مواقع التواصل الإجتماعي، ألا تعتقد معي أن الساحة تسع الجميع، أم أن هذا الخلط أفسد الوسط وميّعه؟


نضال الملوحي: الموضوع هو حديث الساعة، ليس فقط في الجزائر وإنما في كل دول العالم، هناك معايير تغيرت منذ ظهور مواقع التواصل الإجتماعي، بحيث نجد رواد هذه المواقع كسبوا شهرة واسعة لا يمكن إنكارها، نحن نعيش في عصر آخر ولا يمكن تجاهل هؤلاء، عن نفسي أنا أرحب بالجميع، حتى من قبل كان هناك أناس دخلوا الفن وهم لم يدرسوا الفن إطلاقا سواء مخرجين أو ممثلين، وعلى سبيل المثال الشاب حجاج الذي قام بدور علي لابوانت في فيلم «معركة الجزائر» الذي اكتشفه المخرج الإيطالي في مقهى ومنحه الدور الرئيسي، يعني الظاهرة موجودة منذ زمن، مواقع التواصل الإجتماعي سهلت فقط المهمة وساعدت في انتشار هؤلاء، وهناك الكثير من هؤلاء من يحاول تطوير موهبته وعنده الرغبة في ذلك فتجده يتجه للتعليم وللتربصات والورشات التي تنظم على هامش المهرجانات، وهناك من يعتمد على شهرته في تلك المواقع ولا يحاول تطوير ذاته، أنا لا أحكم على أحد ولن أسميهم دخلاء على الفن، الوقت كفيل بتصفية الوسط، فلندعهم يقدمون إنتاجات ونترك الجمهور والميدان هو الحاكم والفاصل.
المشكل الرئيسي في المنتجين الذين يروّجون لهؤلاء أكثر من الترويج للممثلين الذين درسوا ولهم باع طويل في الميدان، أراها عنصرية كبيرة من طرف المنتجين لا أقول كل المنتجين لكنهم يعرفون أنفسهم دون ذكر أسماء، يعني المؤثرون ليس ذنبهم أو خطأهم في كل هذا الذي يحدث.
هذه هي البدايات، فنحن أيضا دخلنا المسرح كهواة، ودرسنا بعدها ولازلنا لحد الآن نتعلم.

ما يهمني من كل هذه الزوبعة هو الإنتاج في حد ذاته الذي يجب أن يكون جيد ومتميز.


• بحكم تجربتك، هل التمثيل تعلم وعلم قائم في حد ذاته أم هو موهبة؟


نضال الملوحي: هذا السؤال سيخلق جدل في وسط الأكاديميين، بالنسبة لي التمثيل هو موهبة أولاً، لأنني جئت من المسرح الهاوي الذي دخلته طفلا صغيرا في سن 14 سنة في عام 1986م، فقد بدأت المسرح في المدرسة وبعدها في المسرح الهاوي، يعني الموهبة وحب المهنة هي الأساس، ثم يأتي بعدها التعليم، فهناك تقنيات يجب إتقانها، أنا الآن أدرِّس المسرح للصغار والشباب وأرى أن هناك طاقة إبداعية هائلة يجب وضعها في مسارها الصحيح حتى يستطيع هؤلاء الوقوف على الركح وأمام كاميرات التصوير بالشكل الصحيح.
وحتى أنا لازلت أتعلم لغاية هذه اللحظة وأنا في عمر 52 سنة، فتجربة البطحة مع المخرج الشاب وليد بوشباح علمتني الكثير، هذا الفن مثل البحر عميق وكل يوم يبهرنا بشيء جديد، ومن يقول أنه وصل للقمة ويعرف كل شيء في هذا الميدان في الحقيقة لا يعرف شيئا ومساره الفني سيتوقف، هذا هو رأيي في هذا الخصوص.

أما عن سؤالك هل التمثيل علم، فحسب ظني أنه ليس علم قائم في حد ذاته، لأن كل مخرج وكل فنان لديه رؤية معينة من خلاله، فهو ليس 1+1=2، فالتمثيل والفن هو تجارب إنسانية لا تخضع لمنطق العلم، رغم أن بعض الأكاديميون يرونه علما قائما في حد ذاته.


• متى نرى الفنان نضال الملوحي يعتلي ركح المسرح الجزائري بعمل مسرحي؟


نضال الملوحي: الركح هو حبي الأول ومتنفسي، منذ وقت قصير أتممت مسرحية «vivement Noël» هنا في فرنسا بعد أن أوقفناها منذ سنوات بسبب جائحة كورونا، وكانت تجربة جميلة جدا، حتى تعاونية «تينهنان» الثقافية التي أترأسها هنا في فرنسا كانت متوقفة وبدأت تنشط مجددا، كنت قد جئت للجزائر في 2009 في جولة فنية بعرض «المغتربين»، ومنذ ذلك الوقت لم أرجع، حقيقة أتمنى العودة لبلدي لأعتلي الركح الجزائري مرة أخرى، أنا أنتظر من يطلبني من الجزائر، شرط أن يكون العمل منضبط في مواعيده ويكون العمل جاد، عندها سأحضر بكل سرور وأقدم عروضا باللغة العربية واللهجة الجزائرية.

مؤخرا هنا في فرنسا رفضت عرضا مسرحيا فرنسيا بسبب ارتباطاتي في تصوير سلسلة البطحة 2، ولحضوري المهرجانات الجزائرية، إن شاء الله عن قريب (يتفكرونا) في عمل مسرح وسأكون سعيد جدا بالعودة للمسرح الجزائري وركحه الذي اشتقت له.


• ماهي مشاريع الفنان نضال الملوحي مستقبلا؟


نضال الملوحي: هناك مشاريع والحمد لله، سأدخل الجزائر في شهر جوان أو جويلية المقبلين لتصوير عمل لا أستطيع إعطاءك تفاصيل أكثر عنه، وهناك الكثير من الوعود، فعند مجيئي للجزائر مؤخرا كان لي لقاءات مع مخرجين ومنتجين وإن شاء الله تثمر تلك المشاريع التي تحدثنا عنها، بالمختصر هناك أربعة مشاريع في الأفق أتمنى أن تتجسد في عن قريب، وحسب ما قرأته وتحدثنا عنه ستكون إنتاجات مهمة وجميلة جدا.
كما قمت بكاستينغ هنا في فرنسا من أجل القيام بدور في فيلم تلفزيوني.

أتمنى إنتاجات أكثر لنا ولجميع الفنانين في المسرح والسينما والتلفزيون.


• لو منحتك ورقة و قلم لكتابة رسالة لجهة معينة سواء شخص أو هيئة، لمن ستوجهها وماذا سيكون مضمونها ؟


نضال الملوحي: في الحقيقة الورقة والقلم رفيقاي الدائمين في المحفظة، لأن الأفكار لا تفارقني سواء كانت أفكار سيناريوهات مسرحية أو تلفزيونية، وهنا تحضرني حادثة وقعت لي في فرنسا، حيث كنت في إحدى المرات في مقهى في باريس حيث كانت لي جلسة عمل مع مخرج ومنتج، والطريف في الأمر أن محفظتي سرقت مني حينها، المحفظة كان بها العديد من الأشياء لكن ما حز في نفسي أن بين الأشياء المسروقة كان دفتر تدوين الأفكار الذي كان به العديد من السيناريوهات والنقاط، حزنت عليه أكثر من حزني على فقدان المحفظة.
أعود لسؤالك طلبت مني كتابة رسالة لهيئة ما، لن أكتب وإن كتبت لهيئة سأكتب كل ما قلته في هذا الحوار، وهو توفير الإمكانيات لأجل الإنتاج، والإهتمام أكثر بالميدان الثقافي والفني

أُفضِّل أن أكتب رسالتي لأهل الفن في الجزائر لأقول: تحابوا فيما بينكم، فمع لأسف أن نرى فنانا ومثقفا لا يحب الخير لزميله، ولا يحب أعمال يقدمها غيره، أقول لهؤلاء لقد فقدتم شيئا ثمينا، لأنكم تمارسون الفن وهذه المهنة الشريفة تستحق أن نكون إنسانيين أكثر ونحب بعضنا البعض أكثر.


• نهاية الحوار، الفنان نضال الملوحي سعدت بمحاورتك، في الختام أترك لك كلمة الختام.


نضال الملوحي: كنت مسرورا وسعدت بالتحاور معك أخي سمير، شكرا جزيلا على هذه الإلتفاتة الجميلة، أتمنى أن تكون إجاباتي مفيدة للمتلقي، علينا تقديم الأفضل للجمهور الجزائري، فالفنان هو ملك لجمهوره، فهو لا يساوي شيء بدون جمهور، أتمنى من أهل الفن في الجزائر من مسؤولين ومخرجين ومنتجين وفنانين السعي من أجل إرجاع الجمهور للمسارح والقاعات السينمائية، لدينا مباني ضخمة ومرممة بملايين الدينارات لكنها مهجورة للأسف.
شكرا جزيلا لكل الناس الذين رحبوا بي في بلدي الجزائر، وكم كنت سعيدا بلقائكم وبرجوعي إليكم بعد هذا الغياب، كنت سعيدا كذلك بلقاء الصحفيين بما فيهم أنت أخي سمير، شكرا لكل من هنأني بدوري في فيلم «بن مهيدي» خاصة من أهل الفن أمثال أحمد شنيقي وياسمينة خضرا، ومخرجين ومنتجين وفنانين كذلك. لأجل كل هذا نحن نمتهن هذه المهنة الجميلة التي نتمنى أن تبقى كذلك.
هذه هي كلمتي الأخيرة التي كانت عبارة عن كلمات نابعة من القلب، أقول في الأخير يجب رجوع الجمهور لاحتضان الفن ويجب تكثيف الإنتاجات.
مع السلامة، ولتحيا بلدي التي ستبقى شامخة وسنبقى فخورين بها أينما كنا، والسلام عليكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى